جدل التطبيع .. بطرك الموارنة في «القدس»!
محمد خروب
08-05-2014 03:23 AM
ترتفع حدة الجدل في لبنان ويأخذ السجال مكان الصدارة كلما اقترب موعد «زيارة» الكاردينال بشارة بطرس الراعي بطريرك انطاكية وسائر المشرق (كما يوصف موقعه الكنسي) الى «اسرائيل»، ومناطق السلطة الفلسطينية في 25 ايار في الجولة الاولى لهذا البابا البسيط والمتواضع والمنحاز للفقراء بغير تحفظ، صاحب الشعبية الكبيرة بعيداً عن الطقوس البروتوكول والرسميات الذين لا يحتاجون الى صكوك غفران بقدر حاجتهم الى من ويقف الى جانبهم رافضاً الظلم والاستعباد والاستغلال، ومُحدِثاً قطيعة مع وعاظ السلاطين وخدم السلطة، واولئك الذين لا يتورعون عن بيع «المسيح» والمسيحية بثلاثين فضة، في توظيف للدين والكتاب المقدس من اجل خدمة الساسة والانتصار للاثرياء من اقطاعيين وفاسدين وسرّاق ونهابين..
كل هذا ادار له البابا فرنسيس ظهره، ولهذا احبته الرعية، واكتسب احترامها رغم ما لحق بالكنيسة من اتهامات وتصويب وادانة من جهات عديدة وبخاصة بعد اكتشاف عمليات التحرش الجنسي الواسعة والمتورطة فيها «رجال دين» في المشرق وفي الغرب على حد سواء.
ما علينا
في لبنان، هذا المجتمع الحيوي والمثير للاعجاب، بشرائحه ونخبه، علمانييه ومتديّنيه، كما اعلامييّه وسياسييه، محافل الرجال وتجمعات الناشطات، ينخرط الناس في الجدل الدائر حول صحة او عدم صحة الخطوة المثيرة التي سيُقدم عليها الكاردينال الراعي ورغبته زيارة اسرائيل وعمّا اذا كان ذلك يندرج في اطار التطبيع أم أنه مجرد طقس «راعوي» برره البطرك نفسه، بعد عودته من رحلة خارجية بانفعال وغضب, كاد الرجل المعروف بابتسامته وصراحته واحياناً حذره وحرصه, أن يخرج عن طوره ليتساءل في غير اقناع لمن سمعه أو رآه: هل من الممنوع أن ازور شعبي؟ واذا ما تم تذكيره بأن المسألة مختلفة في هذا الشأن وأن البطرك الذي سبقه (مار نصر الله صفير) رفض زيارة القدس ولم يرافق «الباباوات» الذين زاروها, بل هو رأى فيها تطبيعاً واخذاً للمسيحيين اللبنانيين الى مربعات ودوائر مشبوهة, ليسوا في حاجة اليها وبخاصة في ظل الظروف الراهنة التي ترتفع فيها صورة التكفيريين والظلاميين, الذين يريدون تحويل المسيحيين الى أهل ذمة يدفعون الجزية أو تُقْطع اقناعهم ورقابهم, وحسناً إن اختاروا الهجرة وابقوا البلاد للمسلمين.. هنا يرتفع صوت نيافته ليغرف من «صحن» مروّجي التطبيع وانصار نظرية «الواقع» وغيرها من التبريرات المتهافتة ليقول: المدينة المقدسة هي أم الكنائس، ولا يكفي أن نُدلي بخطاب عن القدس, هذه مدينتنا نحن المسيحيين قبل كل الناس والبابا آت لعندي وانا سأزوره!!..
هذا كلام عمومي غير مقنع وغير واقعي، لا يأخذ في الاعتبار راهن القدس وخطوات تهويدها المتفاقمة, التي تكاد تفرغ من مسيحييها وتفقد معظم املاكها العقارية وخصوصاً الاراضي, جراء الصفقات المشبوهة التي تعقدها اوساط كنسية, ربما ليس سراً القول أن الكنيسة الارثوذكسية (اليونانية خصوصاً) تقف على رأس هذه البيوعات الشائنة, فضلاً عن اختلال الموازين الديمغرافية, بعد أن واصلت حكومة الاحتلال ارتكاباتها واجراءاتها العنصرية عبر التضييق على سكان القدس الاصليين (المسلمين ومن تبقى من المسيحيين) لدفعهم الى مغادرتها وفقدان هوياتهم.
ليس مقنعاً ما ساقه نيافته، وبخاصة في الزعم بأن الزيارة غير سياسية، بل هي كذلك، كانت وسيُنظر اليها من هذا الاتجاه، والاّ لماذا مثلاً كان بابا الكرازة الرئيسية البابا شنودة حازماً ازاء خطوات كهذا؟ ولا داعي للتفذلك، فهي خطوة تطبيعية اياً كانت الاجراءات «الاحتياطية» التي سيلجأ اليها الكاردينال الراعي واياً كانت «جنسية» جواز السفر الذي سيحمله والذي ستطبع عليه فيزا «الدخول» الاسرائيلية..
ثم..
كيف يمكن نفي الصفة السياسية عن زيارة لدولة الاحتلال ورعايا الكاردينال الراعي هم ضحايا الاحتلال، فيما تنخرط الكنيسة التي يرأسها الراعي نفسه في الشأن السياسي اللبناني وامتداداته الاقليمية والدولية، على نحو باتت هي المرجعية المسيحية وخصوصاً المارونية، في هذا الشأن، وهي لعبت دوراً وما تزال في الدفع بالاستحقاقات السياسية وخصوصاً الرئاسية والبرلمانية (قانون الانتخاب)، الى ما يُعظّم حصة المسيحيين ويُبقي على المناصفة بل واحتضنت حركات ولقاءات سياسية بدت في لحظة ما، وكأنها حصة «بكركي» في الكتلة المسيحية وجزءاً من المسرح العبثي اللبناني بتنويعاته الطائفية والمذهبية بدءاً من قرنة شهوان مروراً بفريق 14 آذار الذي انحازت اليه الكنيسة المارونية في عهد الكاردينال صفير، ثم تالياً في «الزيارات» والمشاورات التي يجريها الكاردينال الراعي نفسه، لانجاز الاستحقاق الرئاسي قبل 25 ايار الجاري..
الزيارة-ان تمت - ستكون شكلاً صارخاً من اشكال التطبيع، نحسب انها لن تصب في مصلحة لبنان ولا رعيّة الكاردينال الراعي، وهي حدث غريب من رأس الكنيسة التي وقفت مبكراً - وهذا يُسجل لها - رفضاً للفوضى ومزاعم الربيع التي قيل انها هبّت على المنطقة العربية، الذي كَتَبَ جدول اعماله، الارهابيون والتكفيريون واجهزة الاستخبارات العربية والغربية، والاكثر غرابة ان يصف الراعي بأن الحديث الدائر حول زيارته هو مجرد «خبرية صغيرة».. وهي ليست كذلك يا صاحب النيافة..
(الرأي)