طرح د. مروان المعشر الإصلاحي .. مع همسة عتاب
أ.د محمد الحموري
07-05-2014 03:30 PM
أتابع كتابات معالي د. مروان المعشر، وما تنشره له وسائل الإعلام من تصريحات، وأسعد كثيراً بطرحه الإصلاحي. وأعتقد أنه أفاد كثيراً مما صاغته عقول الأردنيين في إعداد الأجندة الوطنية، عندما كان المسؤول والمشرف على اللجنة الملكية المكلفة بإعداد تلك "الأجندة"، بصفته نائباً لرئيس الوزراء وقتها.
لكنني في كل مرة أقرأ له، وأسعد بما أقرأ، أتساءل: من أين يبدأ الإصلاح عند د. المعشر؟ إذ من وجهة نظري، لا بد أن تنطلق أول خطوة يبدأ بها الإصلاح، من أمر جوهري، يشكل الأساس الذي يُبنى عليه هذا الإصلاح. وحتى أسمي الأشياء بمسمياتها، أقول إنه أياً كان الموضوع محل الإصلاح؛ اقتصاديا أم سياسيا أم اجتماعيا أم إداريا أم تعليميا.. إلخ، فإن أداة فرضه تكون قراراً أو تشريعاً تصدره سلطة مستقلة، تستجيب لمتطلبات حقوق الناس وحرياتهم. ووسيلة الإلزام لهذا الفرض، تتمثل في قضاء مستقل، يحاسب ويعاقب عند الانحراف، بأحكام غير هيابة من صاحب سلطة بيده قرار تعيين القاضي وعزله.
وهنا أذكّر بالقاعدة الأساسية التي فرضها كفاح الشعوب، وأجمع الفكر الدستوري والسياسي على استقرارها منذ أكثر من قرن من الزمان، ومضمونها: "إذا كانت الحكومات هي التي تعيّن أعضاء السلطة القضائية، وهي التي تعيّن أعضاء السلطة التشريعية، فإن الحديث عن حقوق وحريات، وديمقراطية وفصل سلطات، في دولة تلك الحكومة، يصبح كذبة تدخل في باب العبث والتندر".
وفي وطننا الذي نحبه جميعاً، أجد أن الدستور الأردني ينص في المادة (98)، بدلالة المادة (40)، على أن القضاة يُعينون ويُعزلون بقرار من الحكومة، وموافقة الملك. كما أجد أن هذا الدستور ينص في المادة (36)، بدلالة المادة (40)، على أن أعضاء السلطة التشريعية في مجلس الأعيان، يُعيّنون بقرار من الحكومة وموافقة الملك. وهذا يعني أنه يستحيل إصدار أي تشريع لا يوافق عليه هذا المجلس المُعيّن، مهما أجمع أعضاء مجلس النواب المنتخب، ومهما علا صوتهم وأبدوا من قناعات لإصدار هذا التشريع. ذلك أن مجلس الأعيان، وهنا أستعير الاصطلاح الذي اشتهر في لبنان، يشكل "الثلث المعطل" لإصدار أي تشريع!
وعلى مدى سنوات امتدت منذ أواخر القرن الماضي وحتى الآن، ما أزال أنادي بإصلاح دستوري حقيقي وليس شكليا. لكن السلطة وأجهزتها لا تقبل أن تسمع سوى المديح والتعظيم. فهي تعتبر أن من لا يوافق على ما تريد هو ضد الوطن والدولة، وتوظف الأقلام والإعلام لتلميع الأشخاص والذوات ونهجهم بأجر يُدفع من المال العام، لتوحي بأن ما لدينا من نصوص دستورية يشكل نموذجاً ومنارة للباحثين عن قدوة، كما تجعل أي صوت آخر يكشف أوجه الخلل، غير مسموع، وكأن صاحبه من الأعداء.
وفي هذا المجال أقول: لقد اقترحت نصاً تم وضعه في ميثاق النزاهة، بأن "القضاة غير قابلين للعزل"، ليؤخذ به في أي تعديل دستوري لاحق، ووافق عليه دولة د. عبدالله النسور رئيس لجنة النزاهة، في أعقاب حوارات ومناقشات بيننا وصلت الأعماق. لكنني لا أدري إن كان أصحاب المقامات الظاهرة والخفية، سوف يسمحون بدخول مثل هذا النص إلى دستورنا، فلعلنا نخرج ولو خطوة، عن نهج القرن التاسع في ممارسة السلطة.
إنني أحيي د. المعشر على مناداته بالإصلاح، وأتابع سماع صوته الذي أصبح أعلى من صوت غيره. لكنني في الوقت ذاته، أبدي عتبي عليه بأثر رجعي، رغم أني لا أذكر أن لقاءً سبق أن حدث بيننا. وأسباب عتبي، أنه عندما تقدمت إلى لجنة التشريع والعدل أيام الأجندة الوطنية، بدراسة أطالب فيها بتعديلات دستورية جوهرية، تشكل أساساً للإصلاح المطلوب، أعلن د. المعشر أن تعديل الدستور خط أحمر. وأضاف بأسلوب فيه تقرير: "إن لجنة الأجندة الوطنية لن تتبنى أي توصيات متعلقة بتعديلات دستورية"، ما دفعني إلى الانسحاب من اللجنة بسبب ذلك، ونشر انسحابي مع أسبابي التي تشير إلى معاليه بتاريخ 3/8/2005.
ولعلي بعد العتاب أضيف، أن أي بناء يفتقر إلى أساس يقوم عليه، سوف يسهل هدمه من قبل أي حامل حقيبة من عابري السبيل، الذين يتم إجلاسهم على كراسي المسؤولية، ويغادرون بعد الهدم.
وأمام ما سبق، فإني أتمنى على د. مروان المعشر أن يضيف الإصلاحات الدستورية الحقيقية إلى قائمة الإصلاحات التي ينادي بها، إن أصبح قانعاً الآن بأهمية الإصلاح الدستوري كمنطلق وبداية.
"الغد"