لو اتفقنا أننا نريد تعزيز صورة الأردن الديمقراطي، ونسعى للسير في طريق الإصلاح المنشود، فإنه لا يجوز أن نقرأ تقارير المنظمات الدولية والمحلية، التي اتفقت جميعها على تراجع الأردن في مقياس الحريات الصحفية، من دون التوقف عندها ولو قليلا.
وأيضا، لا يجوز أن تبقى الحكومة صامتة تجاه كل تلك التقارير، التي صدرت خلال الأسبوع الماضي، وكأن "العرس في بيت الجيران"، ولا يخرج علينا من يمثل الحكومة ليقول لنا، نحن أبناء هذا الوطن، الذي آمنا فيه بسعي الحكومات للإصلاح والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والمواطنة والحريات العامة، ومنها الحريات الصحفية، ولو من باب الواجب، عن أسباب ذاك التراجع، وما الذي تنوي الحكومة مستقبلا فعله، لإعادة الاعتبار لمؤشر حرياتنا الصحفية الهابط بشكل لافت، وإعادة المؤشر باتجاه الصعود الإيجابي.
إن الاختباء وراء "اللاتعليق" لا يفيد، وإنما يضعنا ضمن منظومة الدول الشمولية التي طالما انتقدناها، وانتقدنا سياساتها، وأشبعناها "تجريحا وتجريسا".
فعالميا، ونحن في ظلال اليوم العالمي للصحافة، الذي صادف الأسبوع الماضي سجل تقرير مقياس "بيت الحرية" الذي صدر في هذه المناسبة، تراجعا غير مسبوق في مكانة الأردن، بمقدار عشرة مراكز عن العام الماضي، وجاء ترتيب الأردن في المركز 155 هذا العام بين دول العالم، مقابل 145 العام الماضي.
وواصلنا في المملكة البقاء ضمن منظومة الدول "غير الحرة إعلاميا"، مع العلم أن هذه هي المرة الأولى منذ سنوات التي تتراجع فيها مكانة الحرية الصحفية في المملكة لهذا المستوى المقلق.
وبحسب تقرير "مقياس الحريات الصحفية والإعلامية في الأردن للعام 2013"، الذي أعدته لجنة الحريات في نقابة الصحفيين، فقد كشفت النتائج انخفاضا على مؤشرات مقياس الحريات للإعلاميين والصحفيين العام الماضي بمقدار 7.34 %، حيث بلغت القيمة الخاصة بمؤشرات مقياس الحريات الإعلامية العامة ما نسبته 44.15 %، مقارنة مع 51.49 % للعام 2012.
وبحسب نتائج التقرير، بقيت الحرية الإعلامية في الأردن تراوح مكانها ضمن تصنيف "الحرية النسبية" في المجمل، لكن التراجع وعلى سائر المؤشرات المعتمدة في التقرير كان السمة العامة، وفي القطاعات الصحفية والإعلامية كافة.
وأيضا كشف تقرير "العتمة الإلكترونية" حول حالة الحريات الإعلامية في الأردن للعام الماضي، والذي أعده مركز حماية وحرية الصحفيين، عن تراجع مؤشرات الحريات الصحفية، وبلغ مقدار التراجع عشر درجات مقارنة بالعام الذي سبقه.
إذن خلال الأسبوع الماضي وضعت بين أيدينا 3 تقارير محلية وعالمية، وكلها أجمعت على تراجع منسوب الحريات الصحفية في البلاد. أمام هذا الواقع، ألا يحق لنا أن نسأل عن السبب، ونستفسر عن القوانين التي أدت لذلك التراجع، وإن كان ثمة نية لتعديلها.
سياسة الوقوف أمام المرآة، ومواصلة التغزل بالنفس، وبما أنجزناه على الصعيد الديمقراطي والإصلاحي، لا يفيد، ويجعلنا كمن يصرخ في صحراء قاحلة، وكمن يكلم نفسه، ويتغزل فيها، من دون أن يراه أحد، وخاصة أن ما يظهر من مؤشرات يفيد بتراجعنا، لا يعزز ما نذهب إليه ونقوله عن الإصلاحات التي أنجزناها والديمقراطية التي سرنا على طريقها.
إن بقيت الحال كما هي عليه، وبقيت الحكومة لا تسمع سوى صدى صوتها، وأصوات مريديها فقط، فسنجد أنفسنا ذات يوم في ذيل القائمة بالنسبة للحريات الصحفية، وعلى ذاك قس، في باقي الحريات العامة والإصلاح والديمقراطية.
(الغد)