فوضى التقويم الجامعي والانفلات الأكاديمي
د.زياد خليل الدغامين
06-05-2014 07:57 PM
عناوين بارزة لما تصير إليه الأمور في العملية التعليمية، وذلك أنّ التقويم الجامعي كان يوضع ويصمّم بحيث يأخذ بعين الرعاية والاهتمام تحقيق القدر الكافي من التحصيل العلمي في كل مادة، ويقسم إلى ثمانية عشر أسبوعاً تمتد فترة التدريس فيه إلى ستة عشر أسبوعا، ويُخصص أسبوعان غيرها للامتحانات النهائية، وبمعنى آخر يتلقى الطالب ثماني وأربعين محاضرة في كل مادة إذا ما وقعت في ثلاثة أيام، واثنتين وثلاثين محاضرة إذا ما وقعت في يومين، وفي ضوء هذا التقويم يبرمج عضو هيئة التدريس محاضراته ويوزع المقرر الدراسي والمادة العلمية على مدار تلك الأسابيع آخذاً في الحسبان الاختبارات ومواعيدها، والعطل الرسمية وأيامها ... هذا هو الوضع الذي كان سائداً.
أما اليوم فقد بدأ التقويم الجامعي يتضاءل ويضمحلّ كمّاً وكيفاً، وذلك حين يتمّ اختصاره إلى ستة عشر أسبوعاً متضمنة فترة الامتحانات التي تمتدّ لأسبوعين تقريباً، أي بواقع تدريسي يبلغ أربعة عشر أسبوعاً تتضمن اثنين وأربعين لقاءً إذا وقعت المادة في ثلاثة أيام، وثمانية وعشرين لقاءً إذا وقعت في يومين، ويحتسب هذا القدر من المحاضرات بناءً على أنّ أول الامتحانات النهائية لبعض مواد متطلبات الجامعة هو يوم السبت 10/5/2014، مع العلم أنّ هناك مواد في اللغات تحمل الرقم (099) تحدّدت امتحاناتها النهائية ابتداءً من 5/5/2014.
وهذا وضع يتناقض فيه التقويم الجامعي مع التعليمات؛ إذ تجيز تعليمات منح درجة البكالوريوس غياب ست محاضرات للطالب إذا كانت المحاضرة واقعة في أيام: الأحد والثلاثاء والخميس، وأربع محاضرات إذا كانت المحاضرة واقعة يومي الاثنين والأربعاء، أي بنسبة مئوية مقدارها 12.5% هذا ما تقرّره التعليمات في بند المواظبة والانتظام. وبناءً على ذلك فإنّ غياب ست محاضرات من اثنتين وأربعين محاضرة يعني غياب 14.3 % من مجموع المحاضرات. كذلك هي النسبة إذا ما وقعت المحاضرة يومي الاثنين والأربعاء. ولو افترضنا جدلاً أنّ الدراسة استمرت بعد إجراء أول الامتحانات النهائية لمدة أسبوع آخر، أي: إلى تاريخ 15/5/2014، فإنّ النسبة ستكون ست محاضرات إلى خمس وأربعين محاضرة أي ما نسبته 13.3% وهي مناقضة للتعليمات مخالفة لها أيضاً.
وكيف يتعامل عضو هيئة التدريس مع هذا التقويم، هل يستمر بإعطاء المحاضرات إلى آخر يوم دراسي في الفصل؟ كلا، فبعضهم أنهى المقرر الدراسي في الأسبوع الثاني عشر أو الثالث عشر، وبعبارة أصح: تكرّم على الطلبة بحذف ثلث المقرر الدراسي، أو نصفه ! ثم صرفهم رحمةً بهم وشفقة عليهم ليستعدوا للامتحانات النهائية ! فكم يكون عدد المحاضرات التي درسها الطالب فعلياً وما مستوى التحصيل العلمي عنده؟
إنّ عقد أول الامتحانات النهائية أيام 5/5، أو 6/5 يعني من الناحية العملية أمرين اثنين:
أولاهما: الموافقة ضمناً على إنهاء التدريس في جميع المواد لهذا الفصل قبل بدء الامتحانات النهائية بأسبوعين تقريباً؛ لأنّ الطلبة الذين يمتحنون امتحانات محوسبة يريدون التفرغ لدراسة بقية المواد والاستعداد لبقية الامتحانات النهائية، وإذا دخل الطالب أجواء الامتحانات النهائية فيشق عليه – من الناحية النفسية- أن يبقى على مقاعد الدراسة، ويصعب عليه حضور أيّ محاضرة !
الثاني: أنّ مجموع الأسابيع التي درسها الطالب – في أحسن الأحوال- ثلاثة عشر أسبوعاً إذا تم التدريس ابتداءً من الأسبوع الأول، 2/2/2014. أي بواقع تدريسي بلغ 38 محاضرة (حد ثل خمس) و26 محاضرة(ثن ربع).
ولماذا لا تتخذ الجامعات طابع الجدّية حين تصدر التقويم الجامعي، فمعلوم من خلال الواقع أنّ الطلبة وأعضاء هيئة التدريس لا ينتظمون في الدراسة بدءًا من اليوم الأول بسبب فترة "السحب والإضافة"؟ فيذهب الأسبوع الأول سدى عند غالبية الطلبة وأساتذتهم مع أنّ جداولهم الدراسية مستقرة ولا تتطلب انسحابا ولا إضافةً! لكنهم لا يجدون جدّية تدفعهم إلى الانتظام في المحاضرات لا من أعضاء هيئة التدريس ولا من إدارات كلياتهم!
ولو اتجه التقويم الجامعي إلى جعل فترة الانسحاب قبل بدء التدريس فعلياً، ويعلن هذا للطلبة، ويتعامل معه بجدّية –كما تفعل بعض الجامعات- فيغلق باب التسجيل والسحب والإضافة للطلبة المنتظمين بالدراسة من سنوات سابقة في اليوم الأول للتدريس، ويلتزم أعضاء هيئة التدريس بإعطاء محاضرات في اليوم الأول .. لانعكست الآثار الإيجابية على العملية التعليمية، ولكان ذلك أوفى بحقوق الطلبة العلمية ومقرراتهم الدراسية ! وأدعى إلى أكل لقمة العيش حلالاً طيباً.
وأمر آخر، يتمثل في النهاية المائعة والانفلات الأكاديمي في نهاية كل فصل دراسي حيث يبدأ بعض أعضاء هيئة التدريس والطلبة يتفلتون من الالتزام بالمحاضرات ابتداءً من الأسبوع الثاني عشر! بسبب الامتحانات النهائية وتسليم المشاريع البحثية ... وتؤكل حقوق الطلبة، وينتقص من مادة المقرر الدراسي، ويتضاءل التعليم ويضمحل التحصيل المعرفي... وإن تعجب فعجب إجراء بعضهم الامتحان النهائي بالفعل نهاية شهر نيسان ليكون الفصل الدراسي عنده مع فترة الامتحانات النهائية لتلك المادة اثني عشر أسبوعا هذا إن التزم بمحاضرات الأسبوع الأول!! أليس هذا انفلاتاً أكاديمياً، وهل تتابع الإدارة مثل هذه القضايا؟، ولمَ يكون عضو هيئة التدريس هو من يقرر إنهاء الفصل الدراسي في الوقت الذي يريد ! ولماذا تدفع الجامعات إلى أن يكون بعض أعضاء هيئة التدريس أرحم من بعض في نظر الطلبة! ولماذا تجعل من يستمر بالتدريس إلى آخر يوم دراسي مبغوضاً عند الطلبة! ولماذا تجعل من يفلت للطلبة زمام الأمور فيصرفهم قبل الامتحانات النهائية بأسبوعين محبوباً عندهم كل الحبّ!
إنّه إذا ما تحققت الرغبة في إيجاد حلّ لهذا الفوضى، فإنّه يمكن التعامل مع هذا الوضع وإعلان توقف التدريس للجميع على حدّ سواء بجعل فترة زمنية تكون فاصلاً بين التدريس والامتحانات النهائية يطلق عليها" فترة المراجعة" (Revision Week) وهي فترة تسبق موعد الامتحانات النهائية بيومين أو ثلاثة أيام - وليس بالضرورة أن تكون أسبوعاً- تتوقف فيها الدراسة استعداداً للامتحانات النهائية، وينصّ عليها في التقويم الجامعي، ويمنع إجراء أيّ امتحان نهائي قبلها، وبذلك تعلن الجامعة بصوت عال نهاية التدريس لكل فصل دراسي، ويبقى الجميع منتظما بالدراسة والتدريس حتى تاريخ بدء تلك الفترة. ويدرج ذلك في التقويم الجامعي ليقطع بعدها كل عذر، ويضع حدّا للانفلات الأكاديمي للطلبة وأعضاء هيئة التدريس!