قانون الأحزاب الجديد في شَرطهِ تخفيض عدد الأعضاء إلى 150 عضو، إمعاناً في تمييع الحياة الحزبية وتجسيداً لتقزيم الحزب ودُعاة الحزبية، كما وإلغاء شروط تعدد المحافظات وإعداد الشباب والمُراءة ، بمعنى أن صاحب بقالة في أية حي صغير في أية قرية من قرى المملكة ((بعيداً عن الحديث في العشائرية فهناك عشيرة المليون في الأردن وليس هناك قبيلة أو فخذ أو عائلة يقل عدد أفرادها عن 150 فرد)) بأي شكل كان قادر على أن يُشكل حزباً من زبائنه المُحيطين على طريقة المُخاجلة المعروفة جيداً في الثقافة الأردنية ، وإن كان تعديل تبعية الأحزاب لوزارة التنمية السياسية أحد إيجابيات القانون على أن لا تبقى هذه الوزارة بمثل هذا الضعف والهزال الذي رافق نشأتها وكانت عبارة عن شاغر لوزير وليس هناك وزارة فعلية ولم يكن هناك داعي لوجودها في ظل تبعية الأحزاب لوزارة الداخلية وكل حزبي و سياسي في هذا الوطن يعلم أن أصغر مركز من مراكز الدراسات في الأردن ساهم في تعزيز الحياة السياسية في الأردن أكثر من وزارة التنمية السياسية المزعومة ، ولا نتحدث عن المراكز الفاعلة كمركز القدس للدراسات الأُستراتجية مثلاً، الذي يَستحق بجدارة أن تُحال له موازنة التنمية السياسية أو تخصص له موازنة مُماثلة أو أكثر لما قدمه من خدمة للحياة السياسية والحزبية بالتواصل الدائم مع السياسيين بالتزامن مع الحدث والخروج بتوصيات لاقت مشاركة و اجماع القوى الحزبية و السياسية على مختلف أطيافها وكان قادرا ًاكثر من أية وزارة أو حزب على جمع ألوان الطيف الحزبي و السياسي وتبادل الآراء والخروج بتصور مُشترك لكافة الأحزاب والقوى السياسية لرسم خارطة توافقية تُجسد النظرة المُشتركة لهذه القوى بالنتيجة ولم يترك شاردة ولا واردة إلا وتناولها واعتقد أنه لم يتلقى كِتاب شُكر واحد من أية جهة رسمية !!!!.
وعودة إلى قرار المائة والخمسين راكباً للحزب الواحد وفي هذا السياق اللبرالي البحت الذي كان طرحاً لبعض الأحزاب الفاشلة وبعض من يرون خلاص البلاد بإستيراد القوانين المُعلبة وتطبيقها ، هذه الأحزاب التي لم تستطع يوماً أن تجمع إلـ500 عضو الذي كان مُقرراً بالقانون الحالي ودابت في كافة اللقاءات على تذكيرنا بطريقة تسجيل الحزب في أوروبا والدول الإسكندنافية ودول حوض بحر البلطيق حيث يستطيع اثنان أن يُشكلا حزباً إذا إلتقيا فكرياً ووضعا نظاماً أساسياً بغض النظر عن الأفكار المطروحة والمتضمنة ما دامت تتوافق مع الدستور والقانون، و يكفي إعلام الوزارة ذات الشأن حتى يقوم الكيان الحزبي مُعتمداً على قدرة المؤسسين على نشر الأفكار والمبادئ التي جاء بها الحزب في ميثاقه وإن كانت هذه القضية تتعلق بإعلان حقوق الإنسان (وبالمناسبة هنا أُود الإشارة إلى أنه إعلان وليس قانون وليس له صفة الإلزام وحقوق الإنسان ومُتطلباتها تختلف من بيئة إلى أُخرى ومن ثقافة إلى أُخرى ومن ديانة إلى أُخرى، أيضاً فالعُرف والعادة والدين مصادر قانونية لا يستطيع أحد أن يتجاهلها وهي تختلف باختلاف الثقافات وقد استخدمت حقوق الانسان أسوء استخدام من قوى الطُغيان ولا يزال النموذج العراقي لإمتهان كرامة الانسان وحقهُ في الحياة ماثلاً بدعوى تحرير الانسان من الظلم والطغيان ومنحه الحق في ممارسة الديمقراطية ، وهكذا حصل المواطن العراقي على حقوقه كاملةً ومارس الديمقراطية على أُصولها( بشهادة العالم أجمع) .
ويقوم الكيان الحزبي على اللقاء بين المؤسسون حول المبدأ والأفكار التي يتناولها الحزب والذي يُشارك يتفق بنظرته للكون والانسان والحياة مع الآخرين وعلى هذه الأُسسس استطاعت أحزاب تبنت أفكار إجتماعية وإقتصادية وسياسية ودينية في بعض الدول من النجاح والوصول للسُلطة وبقيت النسبة العظمى من الأحزاب إذا ما تحدثنا عن العدد مُهمشة ولم تستطع أن تُحقق أياً من أهدافها ،ولمن يتحدث عن قانون الأحزاب ويعقد المقارنة مع امريكا والذي تأسس فيها الحزب الأول عام 1828م أُود أن أقول أنه ليس هناك قانون واحد للأحزاب في امريكا، ففي كل ولاية قانون يُراعي خصوصيتها ، كما قد يختلف نفس القانون من مدينة إلى أُخرى في نفس الولاية ، وبهذا فليس هناك نمط موحد لقانون الأحزاب في امريكا إيماناً بأن القوانيين والأنظمة تأتي لخدمة الوطن والمواطن لا لكي يتكيف المواطن والوطن معها تِبعاً لمصالح وأهداف فئوية .
بالمُحصلة فإن قانون الأحزاب يجب أن يكون مُلبياً لمُتطلبات الديمومة والاستقرار مُلماً بمُتطلبات الأحزاب الأردنية وبما للمجتمع الأردني من خصوصية لتقوية الأحزاب والحفاظ على ديمومتها إذا كانت الحكومة جادة في خلق أحزاب حقيقية ، وأن قانون الأحزاب التي أقرتهُ الحكومة في حال اعتماده لـ أل 150 عضواً أشبه ما يكون بقانون بريمر في العراق والذي أدى إلى وجود 504 أحزاب وخلق فوضى سياسية أدت إلى ما نرى من تَسيُب وإنفلات وحتى بتعديل القانون عام 2009 وتحديد عدد أعضاء الحزب بألفي عضو من 10 محافظات لم يكن قادراً على ضبط الفوضى التي ولدها القانون الأول وفي تونس وصل عدد الأحزاب إلى 104 حزب وفي مصر 47 حزباً رغم وجود 88 مليون نسمة لأن القانون يَشترط 5000 عضو و300 عضو من كل محافظة ، وبذلك ولما للمجتمع الأردني من خصوصية ولا زالت عِدّ رجالك ورد ألماً ثقافة يَصعب التخلي عنها ، وحتى تُصبح رابطة الفكر بديلاً لرابطة الدم والنسب فإن عدد أعضاء الحزب عند التأسيس يجب أن لا يقل عن 1000-1500 عضو في الحد الأدنى لكي نكون معاً إذا تلاقت الأفكار مع حساب الحسب والنسب، أيضاً وليس هناك أحزاب في الأردن بالمعنى الحزبي الحقيقي وبما تعنيه الكلمة ، في الغرب مثلاً ومن له رأي آخر فليتبعني إلى بطن ذلك الوادي مُستعيراً المُصطلح ممن قاله مؤخراً أطال الله بقاءهُ ، وأما ابن الخطاب رضي الله عنه فلم تكن في زمانه مُلكية فكرية تُرتب التزامات .