وليست النعجة كالبقرة ، فالأخيرة أكبر وأسمن وأغلى ثمنا ، وهي لا تذبح في الأعياد ، بل أن البلدية منها دائما ما تكون هزيلة وغير منتجة ، والهولندية منها تترعرع في خضراء الحنان ، و تكلفتها عالية جدا بل وأغلى من عشرة أطفال في البادية الجنوبية ممن يسجل لهم الفضل في اكتشاف النفط الجنوبي " المشكوك به " و الذي سيجلب لأهلهم الرحيل والتشرد في منافي الحياة كعادة أهلهم ممن بنوا بيوتا لغيرهم على أنقاض بيوتهم .كنا نأمل ونحن نمارس شهوة الصمت ،ونطارح الانتماء والإيثار والتصفيق والإشادة والنفاق المرّ على فراش الوطنية ، كنا نأمل أن ينجلي هذا الليل البهيم ، وان تشدوا بلابل الفرح في تباشير صباح ما ، معلنة إن صبر هؤلاء الأردنيون لم يذهب هدرا ، فهم قد صبروا ونالوا ، ولكن الواقع المرّ لهؤلاء الأرادنة يقتل كل أملّ في غد ضاحك ، ولعل قصة " جبر من بطن أمه للقبر " ستصبح وثيقة يحتفظ بها السواد الأعظم منهم كشرح حال مختصر ومفيد .
يطالبني العديد من الأخوة أن أكون أقل حدة في طروحاتي ، وأنا وبكل صدق لا أتعمد أن أكون حادا أو متشائما ، بل حاولت دائما ان أكون على الأقل " متشائلا " لأن ما نراه لا يراه دولة الرئيس ـ أي رئيس ـ الذي يرى من خلال عيون رجاله ، و لا يسمع ما نسمعه ، لأنه يسمع بآذان الإعلام الرسمي المصاب بالشيخوخة و سلحفائيتها ، والشللية وكواليسها ، وتخرج قرارات المسؤول بناء على رؤية وتوصيات الأصدقاء والصديقات والأقارب الذين عادة ما يكونون متجانسين متحابين مخلصين لكهنتهم يربطهم ناد واحد ومذاقاتهم متشابهة ، ورائحة أنفاسهم الساخنة لا تشبهها أنفاس التنين الأحمر .
والسؤال الذي نواجهه دائما ويوشك أن يصبح يوميا من قبل العديد من عينات هذا المجتمع الأردني خاصة من فئة الشباب و الخريجين الذين يرون ان الواقع أصبح مقبرة للشباب :
الى متى نبقى على هذه الحال ، والى متى نبقى في آخر قائمة ذكريات الحكومة ، ومانسمعه سوى هلاميات إعلامية لا تطعمنا خبزا ولا تستر عورة ؟ وكل ورقة نقدمها أو نطلبها ندفع ثمنها غير المسترجع ؟
البعض منهم للعلم لا زالوا ينتظرون نتيجة وعود حكومة زيد الرفاعي مثلا ، ولكم ان تتذكروا متى كانت وكم جاء بعده من رؤساء أزياد ، ولا زالوا يحلمون في عمل أو وظيفة يكون راتبها خمس راتب مستشار واحد يأتي السادة المسؤولون من معارفهم وأبناء معارف ، وأشقاء اصدقاء ، مع إن هؤلاء الشباب ليسوا طارئين على الوطن وترابه ، بل هم من أصلاب من جعلوه وطنا محميا ، ولكن ما الفائدة .. فلا احد يهتم ، فالمقياس الجديد للانتماء والوطنية والأحقية هي فيما تملك ومن تعرف والى مدى تتنازل .
شباب وفتيات شابت رموشهم وهم يحاولون أن يقرأوا أسماءهم في لائحة بركات سماء الحكومة الصيفية التي لا تنعم إلا على من هم من القبائل الإستوائية ذات الشواطىء العارية فهم يتحدثون بلغات عولمية ، وبلكنة "ويسترينية " و لا يعني لهم التاريخ ولا التراث شيء ، ولا يعرفون أي فقرة من تاريخ الأردن الشفهي ، ومع هذا يستأنسون بهم ، فآرائهم سياسات ، واقتراحاتهم أوامر ، وحفلاتهم أعياد وطنية .
نعلم تماما إن الانقلاب في التركيبة للمجتمع السياسي والقيادي الوزاري في البلد مضى عليه وقت كاف ، ونحن صامتون كالحملان ننتظر ثدي " نعجة " نمتص منها قطرات ، علّها تقطع معزوفة "معععع " التي تحفظها الحملان جيدا ، لذلك فإن السواد الأعظم من المواطنين باتوا لا يثقون بأي تبريرات تقولها الحكومات ، ولم يعودوا يستمعون لنا ، ونحن نحاول أن نؤول الأقوال ، ونقول ان في الحكومة رجال يفعلون ولا يقولون ، وهمهم الأول والأخير هو المواطن الذي لولاه لما كان المسؤول مسؤولا ، وهم يسجلون مآثر في سفر الوطن ، والدليل على ذلك تبوئهم مقاعد الصدارة دوما ، حتى إنهم لا يجدون وقتا للتسكع في وسط البلد مثل باقي الناس الذين لا يحملون مسؤوليات سوى مسؤولية بطون أولادهم ، ولا حتى وجدوا الوقت الكافي ليعرفوا أسماء القرى والمناطق الأردنية ، لكثرة انشغالهم في اجتماعات داخلية مع "روافعهم " أو في سفرات خارجية لنقل أحدث ما توصلت له الحضارة والعواصم ذات الفئةـ أ ـ في التبليط والترخيم وفن العمارة وإقامة المتنزهات وتبذير مئات الملايين من الدولارات في صروح حجرية لا تدر دخلا ولا تعالج مريضا ، ويا ليتها جاءت هبات وأعطيات ونتاج منح من الأشقاء والأصدقاء والمتفضلين علينا ، بل هي من جيوب الأردنيين الذين يعطون أكثر مما يأخذون ، وينزفون من جيوبهم ، ليحرموا أبناءهم ، ثم لا يجدون ثمن أقساطهم الجامعية ، ثم يخرج عليهم مسؤول محترم ، ليقول لهم : يجب الحد من دخول الطلاب الى الجامعات ، ثم ينبري آخر ليتهكم ،" شو ؟ جايب بالستينات وبدك جامعة و وظيفة ؟ "، وكأنهم أدخلوه مدرسة البكالوريا ولم يفلح ، ونسوا أن هناك مدرسة في بادية "باير " بناءها خيمة ويرفرف فوقها العلم الاردني ، ومدرسها سوداني شريف متطوع ، وطلابها حفاة ، وليس لهم قيود مدرسية ، واسألوا تلفزيون " الأيه تي في " الذي مات وهو في الرحم نتيجة انقطاع التنفس أثناء عملية الولادة دون سبب .
الأردنيون طيبون من مختلف أعراقهم ، وهم مثال يحتذى في الصبر الجميل ، حتى لأنك تكاد تضرب بهم المثل ، أكثر من جمل المحامل ، بل هم جمل المحامل بعينه ، ولكن الجمل له طاقة للاحتمال ، وهي طاقة معنوية أكثر منها مادية ، فإن وصلت الأمور به الى حد الإهانة ، فيصبح " جمل حقود " يبرك على صاحبه فيحمله حمله .
لن أطيل أكثر ، بل سأخلص الى القول إنه يجب العمل على رفع المعاناة عن كاهل المواطن ، وتصويب وضع ما يسمى بديوان الخدمة المدنية ، و إيجاد بدائل عن حلب المواطن ، فالترشيد الحكومي وخفض رواتب كبار الموظفين ، والاستغناء عن جيش المستشارين ، و إلغاء فكرة استملاكات الحدائق وإنشاء الجسور ، وسحب السيارات الأمريكية التي تستخدم في العمل الوظيفي ، هي طريقة صائبة لبداية الطريق نحو معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية لدى هذا المواطن ، وحتى لا نقول في الصيف أضعنا اللبن .
royal430@hotmail.com