النقدُ .. جزءٌ من الحياة وضروري في الفكر والأدب
د.عودة الله منيع القيسي
04-05-2014 05:50 PM
بتاريخ -5/4/2014- نشرتُ مقالة في موقع (عمون) – نقداً لكتاب قدم دراسةً عن شعر حافظ إبراهيم .وكان واجب النقد والحق يوجبان عليّ أن أضرب أمثلة على ما فيه من – إنشاء – كإنشاء طلاب المدارس ، ولا يليق بكاتب .
- وبعد نشره جاءت عليه – تعليقات ، بعضُها إيجابي، وأكثرها سلبي. وأنا أشكر هؤلاء- وهؤلاء- لأن النقد جزء من بناء الحياة، وضروري في الفكر والأدب. وأنا أفدْتُ مما أورده هؤلاء وهؤلاء – ويكفي أن ماعلقوا به- قد دعاني إلى كتابة هذه المقالة الآتية:-
- الفريق الأول يرى أنني نشرت مقالتي عن كتاب (حافظ إبراهيم-دراسة تحليلية وصفية نقدية) – أقصد الشهرة !!
- وأظن أن الذين رأوْا هذا الرأي لم يقرأوا لي ، كثيراً ،ليعرفوا أني لستُ مبتدئاً في الكتابة يطلب الشهرة: فالذي يطلب الشهرة من وراء مقالة يكتبها – نقداً –لكتاب، يكون كل حصيلته من الكتابة عشْرَ مقالات أو عشرين، أو ألّف كتاباً أو كتابين – فقط – فلم يَرَ نفسه اشتهر، فيكتب نقداً عن آخرين ، لعله يشتهر . أمّا أنا فقد كتبت أكثر من ألف مقالة ، في المجلات والجرائد ، والمواقع الإخبارية ، وأرْبَتْ كتبي إلى الآن على الأربعين – كتاباً، في كل فروع العربية الفصحى، وكل فروع الدين الإسلامي.وفي السياسة ، وفي التربية . أفأطلب الشهرة –إذن – من مقالة واحدة؟
.. والذي يطلب الشهرة يكون شابّاً دون الثلاثين من عمره ،لا شيخاً نيَفّ على السبعين. ويقصد هذا الشاب بنقده احد- عمالقة- الفكر أو الأدب، يتسلق على كتفية، ولا يتناول كتاباً عاديّاً لكاتب عاديّ . عباس محمود العقاد- مثلاً – عندما كان دون الثلاثين ،كان لمّا يشتهْر، كتب نضع مقالات ينقد فيها شعر- عملاق – الشعر الحديث آنَ ذاك- أحمد شوقي، أمير الشعراء. وكان شوقي قد بلغ قيمة شهرته، وهو في حدود الخامسة والخمسين من عمره. هنا.. يمكن أن نقول : إن العقاد- أراد (مما أراد من نقذهِ لشوقي) الشهرة .
- إن الإخوة المعلقين الكرام الذين رأوْا أن دافعي إلى تلك المقالة النقدية .. هو الشهره – الظنُّ الغالب أنهم لم يقرأوا لي ، كثيراً ، وإلاّ .. لما ظنوا أني أقصد- الشهرة- بعد أن كتبتٌ ما يربو على أربعين – كتاباً !- في جميع فروع اللغة العربية- والديانة الإسلامية.
كتابي (رُؤَىً –نحْويّة وصرفيّة –تجديديّة) :
- مثلاً : في كتابي (رُؤَىً – نحْويّة وصرفيّة – تجديديّة) –مكون من أربعة أجزاء- عمّان/ نشرته دار البداية- 2011م – أخذتُ على سيبَويْهِ فيه، في أكثر من مئة موضع في كتابه( الكتاب) –وجدْت أنه كفارسيّ لم يتشبع بروح اللغة العربية- فوضع قواعد كثيرة خاطئة. ولاتحتمل مقالة عرْضها ،وإنما هي وارادة في كتابي- الآنف الذكر، ووارد تصحيحي لها،ووضْعي البديل لها. وإنما أكتفي هنا بمثل واحد ، وهو (باب النسبة إلى الجمع- وسيبويه يسمّي – النسبة- الإضافة)-
- يقول سيبَوَيْه في الكتاب في النسبة إلى مُسْلمات وتَمرات- بأن الإضافة إليهما (أي: النسبة) –عندما سُمّيَ بهما، هي : مُسْلمَيّ-وتَمريُّ- الكتاب- 3/373-
- وهذا.. خُلْفٌ من القول، لأن الألفاظ.. حَدَمٌ للمعاني – كما يقول الإمام عبد القاهر الجرجاني ، في كتابه :(دلائل الإعجاز-) وهذا عين الصواب ، لأننا لا نصوغ لفظة، ثم نبحث لها عن معنى – يناسبها ، وإنما يَجدّ على أذهاننا المعنى ، فنبحث له عن لفظة تؤدّيه- سواءٌ بنَقْل المعنى أم بالاشتقاق أم بالتوليد... إلخ:
- ولذا .. فهذا الذي قرَّرَهُ – سيبويْه – في (الكتاب) تجاوزهُ الاستعمال اليوميّ ، خلال العصور،لأن هذا الذي قرّره لا يُعبّر عن المعنى ، بل يتخوَّنهُ . ولذا .. نَسَبَ الناس، كثيراً إلى الجمع ، فقالوا ، مثلاً:(ابن شاكر-الكُتُبي–فنسبوا إلى الجمع= إلى الكُتُب ، لا إلى الكتاب . وقالوا: البرادعيّ – فنسبوا إلى البرادع- الجمع- لا إلى المفرد- البردعة- وقالوا : الساعاتي- فنسبوا إلى الجمع- لا إلى المفرد- الساعة . وقال: الدوالبي- فنسبوا إلى الجمع- لا إلى المفرد – دولاب . وقالوا : الجواهري- فنسبوا إلى الجمع – لا إلى المفرد- جوهرة-وقالوا: الاتحاد المغاربيّ – فنسبوا إلى الجمع – لا إلى المفرد- المغرب. لأن الاتحاد المغاربي – ليس مقتصراً على دولة المغرب ، بل يضم دول المغرب الثلاث ،فلكي يتضح المعنى قالوا : الاتحاد المغاربي- وليس المغربي ، لأن الألفاظ خدم للمعاني.
- بل .. من أجل وضوح المعنى – الذي هو المقصود.. قالوا : الزّجّاج لصانع الزُّجَّاج ، ولكنْ قالوا : الزَّجَّاجيّ – فأضافوا – ياء النسبة- عندما كان المعنى يتوجّه إلى – بائع الزجاج.ونسبوا إلى –صُور- على: صُوراني- لأن النسبة لها على – صُوريّ- تختلط مع النسبة إلى- صُورة- فينبهم المعنى – وقالوا: فلان الرازيّ – في النسبة إلى- مدينة الرّيّ- فلو قالوا:رَيّيْ، لالْتبس مع النسبة إلى- الرّيّ –أي: السقي-
- وهذا.. يدلّ على أنّ الاستعمال اليوميّ .. اطّرح قاعدة سيبويه – التي تحيل المعنى إلى غموض- واتبع القواعد التي تحافظ على وضوح المعاني.
- ومثلُ هذا .. مئة موضع وأكثر خالفت فيها سيبويه- لأن بعض قواعده كانت قاصرة عن – تَفهُّم – طبيعة اللغة العربية ، وسليقتها- خالفته في كتابي:(رُؤَىً- نحْويه وصرفية – تجديديّه)- أربعة أجزاء- عمّان/ دار البداية- 2011م الآنف الذكر . ومن الجدير بالذكر أن هذا الكتاب هو أول كتاب ، في النحو العربي، يعارض سيبويْه- معارضةً جهيرة، ويأخذ عليه، في أكثر من مئة موضع (وكتبتُ –سابقاً - سبعَ مقالات في موقع –عمون-نقداً لسيبويه) .
- فلو كنت أطلب الشهرة – (وليس الحقّ والصواب) لطلبتها في هذا الكتاب.
فريق آخر:
- وفريق آخر .. رأى أن النقد يجلب الأعداء ، وينفّرُ الأصدقاء.
- فأقول :أهؤلاء الإخوة الكرام- هل اطلعوا على – المعركة النقدية التي دارت بين العمالقة الثلاثة: طه حسين – والعقاد- ومصطفى صادق الرافعي في الثلث الأوسط من القرن العشرين. لقد كان كلُّ منهم ينقد الإثنين الآخرين، ويشتدّ في النقد. ولكنهم لم يكونوا أعداءَاً ، بل كان بينهم علاقات طيبة. وكان لهذه المعركة أثرها : إذْ جعلت كلاً من هؤلاء العمالقة الثلاثة- يبحث ويغوص في البحث ، لكي يبرأ- أو يكاد يبرأ- من النقد . وجعلت كُلاًّ منهم يكتب باهتمام ويراجع ويدقق ما يكتب .
- ومن ناحية أخرى.. جعلت الجمهور المصري (والعربي) القارئ .. ينتظر مقالة كلًّ منهم في أيًّ من الآخرين – بلهفة- لكي يقرأها ، ويرى ماذا وجد من مآخذ على الآخر، أو الآخريْن.
- فخلق هذا النقد المتبادل جوّاً خصباً- وبيئة ثقافية حافزة على القراءة والمطالعة.
- ولكنْ، بعد مُضيَّهم إلى رحمة الله ، ببعد منتصف القرن العشرين.. ركدت الحياة ألفكرية والثقافية، وأضحى كثير من الكُتاب يكتب لنفسة ، ولقلّة من أصدقائه . فخفت صوت الفكر ، وصوت الأدب والثقافة.
- أمّا الدكتور الشيخ عائض القرني الذي تستشهد بكلامه، يا أستاذ نايف – هو من جماعة شيوخ السلطان الذين يجاملون ويفتون بما يريده السلطان . عائض هذا يقول في كتابه (أسعد امرأة في الدنيا) – أقوالاً تقلب تصور الإسلام في الأمور. ولقد كتبت عن هذا الكتاب مقالتين- عنوانهما :(كُتيَّب مُلوّن كدواوين نزار قباني – يهَشّ له الحكام والأغنياء) . لأنه يبقي الحكام والأغنياء – مثل عائض القرني- في نعيمهم ،ويقنع الفقراء بالرضى بما هم عليه من جوع ، وسوء تغذية .
-مما يقول – مثلاً –من هذا الكلام المقلوب- المعاكس للتصور الإسلامي:
- (أيتها الأخت المسلمة، اعملي أربعا .. تكوني أسعد امرأة في الدنيا – ولو كنتِ في خيمة ممزقة، أو في كوخ تصفر فيه الرياح : اعبدي ربّك ،وصلّي فرضك، واحفظي فرجك وأطيعي زوجك .. تكوني –أسعد امرأة في الدنيا-!
.. ولم يخطر ببال هذا الرجل أن يجعل الأربع.. خمساً ، فيقول : والخامسة أن تطالبي الدولة بإلحاح- أن توفر لك- شقة، تقيكي حرّ الصيف وبرد الشتاء – فذلك حقّ من حقوقك على الدولة – بَدَل الخيمة الممزقة أو الكوخ الذي تصفر فيه الرياح . تكوني .. أسعد امرأة في الدنيا .
- وعائض القرني هذا .. يقول في مقالة نشرها في جريدة الدستور /الأردنية – بأن الأمور قدر من الله ، فالمَِلكُ ملكُ بقدر من الله .. والغني غنيً بقدرٍ من الله .. والفقير فقير بقدر من الله-!... إلخ
.. وقد كتبت مقالة في –موقع عَمون- أنكر عليه ذلك ، لأنّ القدر غيب ، ونحن لا نعلم الغيب . ولأنّ قدَر الله تعالى الذي أراده إنما يتماشى مع الحق والعدل والإنصاف والحرية . فإذا قام ملك وكان ظالماً غير مستقيم .. فالقرآن لا يقول لنا: لا تقتربوا منه ، فهذا ملك بقدر من الله . وإنما يقول لنا : بأن قدر الله الذي أراده هو جريان الحق والعدل .. فإذا جاء حاكم أو مسؤول – وجار، وظلم .. فثوروا عليه ، وأنزلوه عن مركزه. وإذا لم تفعلوا فأنتم مقصرون: ( واتقوا فتننةً لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم ، خاصةً) –(الأنفال-25) .
- أمّا الغنيُّ .. فإذا كان كَسِبَ ماله من حلال – فليس عليه إلا أن يدفع الزكاة (والضريبة) وأن يدفع الصدقة.وكان ذالك بجدّهِ واجتهادِهِ ، وبقَدَرٍ من الله المقُدَر. أمّا-إذا كان قد اكتسب ما لَهُ أو بعضه من حرام : من غشّ ، أو مضاعفة السعر حتى يبلغ الربا( لأن الربا هو مضاعفة الكلفة –إذا كان البيع – نسيئةً ، فإذا كان حاضراً كان رباً متفاحشاً) – أو من الاحتكار، أو من النصب والاحتيال. فما اكتسبهُ ليس بَقدَرٍ من الله ، وإنما اكتسبه بقدر من صُنعه هو ..لأن الله جلّ جلاله (لا يرضى لعبادِهِ الكُفَر) –(الزُّمَر-7) – ولاكن الكافر – هو يقدّر الكفر على نفسه. –وقياساً عليه- فإن الله تعالى لا يرضى لعبادة- الغشّ والاحتيال ،في التجارة،والربا... إلخ- ولا يرضى لعباده أيَّ انحراف عن الحق ، في كلُّ مجال . فما يصنع العبدُ شيئاً من ذالك .. فإنما هو قدّره على نفسه. قال تعالى:(ما أصابَكَ من حَسَنةٍ فمن اللهِ . وما أصابكَ من سيَّئةٍ فمن نفسِكَ) –( النساء-79) .
- وإذن .. وَجَبَ على الحاكم – العادل- أن يستردّ من هاذا الغنيّ المالَ الحرامَ . فإذا لم يكن عادلاً- وَجَبَ على المجتمع أن يشكّل –لجاناً – تستردّ من هاذا الغنيّ – وأمثاله – المال الذي اكتسبوه بالحرام – إنْ بالاقناع ، وإنْ بالقوّة . لأن الله – جلَّ جلاله – يقول: (واتقوا فتنةً لا تُصيبَنّ الذين ظلموا منكم - خاصّةً ) –(الأنفال-25) – لأن الذين لم يظلموا –سكوتُهم- على الظالمين ، يؤدي إلى أن يزداد الظلمُ شيئاً فشيئاً ، حتى يطُمَّ ويَعُمَّ .
- والقرآن .. لا يقول بأن الفقر المدقع المؤدي إلى سوء التغذية- قدَر من الله . بل يطلب من الحاكم أن يضع خططاً ومشاريع – منها جبايةٌ الزكاة- وأخْذُ نسبةٍ من أموال الأغنياء – تكفي ، مع المشاريع، لرفع الفقر المؤدي إلى( سُوء التغذية ) – لأن الله خلق في الأرض أقواتاً تكفي الجميع : يقول عن الأرض والأقوات:
( وبارك فيها- وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيّام ، سواءً للسائلين) – فُصَّلت-10) – فمهما كان عدد سكان الأرض .. فالله القدير ينزل من الأقوات ما يكفي هذا العدد- فإذا جاع أحد فبتقصير من الدول التي لا تضع خططاً ، وتبني على أساسها مشاريع – إضافة إلى أَخْذ نسبة من أموال الأغنياء- تكفي لاطعام الجميع – لا غنيً مُبطرٌ – ولا جوعٌ مُنكر . أما ما خالف ذلك .. فليس من قدر الله ، وإنما قدر من الإنسان ،أي :من صُنع الإنسان . بل من ظلم الإنسان للإنسان . أما قال تعالى :(إنّ اللهَ غنيٌّ عنكمْ، ولا يرضى لعبادِهِ الكفرَ . وإن تشكروا يَرْضَهُ لكم) –( الزمَر -7) . إن الله سبحانه – خلق الخير والشرّ في بَدْءِ الخلق . ولكن الإنسان هو الذي يصنع قدَرَه ، إن خيراً ، وإن شرّاً . أمّا الله الحكيم فلا يخلق قدَر الإنسان . وإن كانت عناية الله ورعايته ..لا تنقطع عن بني البشر ، بل عن الدنيا كلها
- هذا .. هو قدر الله تعالى : الحق والعدل- ووجوب مقاومة من يخرج على الحق والعدل – وإسقاطه. ومن الحق والعدل ... توفير العيش الكريم للجميع . والله الهادي إلى سواء السبيل