الزواج وسلاح الشتائم الانتخابية
عبد الرحمن الراشد
04-05-2014 05:28 PM
لم يوفر خصوم الحكومة المصرية فرصة السخرية من تصريح وزير خارجيتها، نبيل فهمي، عندما وصف العلاقة مع الولايات المتحدة بأنها زواج دائم لا علاقة عابرة. طبعا، لا يوجد في التصريح ما يستحق الاستنكار لأنها استعارة أدبية مألوفة، خاصة في اللغة الإنجليزية، إنما تكشف كيف أن المساجلة بين الحكومة وخصومها تهبط كل يوم للأسوأ.
السوق السياسية المصرية لم تشهد من قبل مثل هذا الابتذال، على الجانبين. طبعا لجماعة الإخوان الحصة الأكبر من «الردح»، لأنها اكتشفت أن أحد أسباب خسارتها شعبيتها بين عامة الناس ليست الدولة العميقة كما تردد مبررة، بل هي لغة السخرية من خطابها وممارساتها، أو ممارسات المحسوبين على معسكرها. مثل حكاية الشيخ السلفي الذي أطاح به أنفه من عضوية مجلس الشعب. فقد ادعى أنه تم الاعتداء عليه من قبل خمسة ملثمين هاجموه في طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي وتحطيم أنفه وسرقة 100 ألف جنيه، واتضح أنه كاذب كان يريد إخفاء آثار عملية تجميل أجراها لأنفه! حزبه اعتذر وهو استقال من مجلس الشعب. القصة تافهة لكنها كانت، وعشرات الروايات قادرة على تحطيم صورة النزاهة المزعومة. وليست كلها مماحكات بل بعضها أكبر من ذلك. وأكبرها عن حليفهم، مرشح الرئاسة الشهير، أبو إسماعيل، الذي اكتشف، رغم شتائمه في أميركا، أن أمه كانت تحمل الجنسية الأميركية، وقد تعمد إخفاء الحقيقة حتى لا يمنع من خوض الانتخابات، الذي يشترط أن يكون من والدين مصريي الجنسية فقط. وكان الإخوان، وحلفاؤهم، هدفا سهلا لأن خطابهم الأصولي الوعظي المتشدد لا يتسق مع ممارساتهم على الأرض. لهذا دائما كانت الناس تحاسبهم أخلاقيا أكثر من الغير الذين يتحدثون عن التنمية والتطوير، ويتحاشون وضع مسطرة أخلاقية يحاسبون بها الناس.
هذا الموسم الانتخابي غني بالإثارة، من التشهير، إلى الأشرطة المسربة، إلى الشتائم البذيئة جدا، توحي الأمور بأنها تتجه نحو القطيعة الكاملة بين القوى السياسية المتصارعة. فهل تقاذف الأوساخ سمة أم نزوة وكيف يمكن أن نفهمها؟ وهل ستؤدي إلى المزيد من التدهور والخلافات، وتعميق الهوة؟
أعتقد أن المجتمع المصري، بطبيعته الساخرة، قادر على التشافي والتناسي، واللغة مهما بدت عالية أو شتائمية يمكن أن تغسلها أول مصالحة في اليوم التالي، عدا الدم. في الصراع يوجد مستويان من المعارك يحسن ألا نخلط بينهما. الخلاف الذي يقوم على استخدام العنف، وهذا لا تقبل فيه شفاعة. ويؤكد هذا أن ارتفاع وتيرة التفجيرات، من سيناء إلى قلب القاهرة، قد شوهت صورة الإخوان الرديئة أصلا عند العامة، بعد حكم مرسي الذي دام عاما! ومتطرفو الإخوان، وحلفاؤهم في الخارج، يظنون أن التفجيرات والاغتيالات وسيلة ناجحة لإبقاء قضيتهم حية إلا أنها وسيلة فاشلة لزعزعة النظام الحالي، ولم نر لها أي تأييد شعبي، أو تبرير، من أي قطاع باستثناء من داخل الجماعة. ومن المؤكد لن تكون حجة لهم بل حجة عليهم.
والمستوى الثاني من الهجوم هو التشويه السياسي والإعلامي، بهدف تأليب الرأي العام. وهذه معركة متبادلة بين الجانبين، وسيأتي يوم يتراجع أحد الطرفين وتختفي لغة التشويه والتشهير والاتهامات الظنية.
ومن الطبيعي أن ترتفع حدة السخرية والتشهير مع بدء الكرنفال الانتخابي الذي لا مفاجآت فيه، حيث سينتهي بفوز ساحق للمشير عبد الفتاح السيسي، وبالتالي لن يغير الهجوم النتائج، كما أن حملة التفجيرات لن تغير هي الأخرى شيئا.
(الشرق الأوسط)