الإبراهيمي .. إنْ استقال!
محمد خروب
04-05-2014 03:11 AM
لا علاقة للتسريبات الآتية من الجزائر، حول المنصب المهم والرفيع، الذي عُرض على الدبلوماسي الجزائري المخضرم والوسيط ذائع الصيت، الاخضر الابراهيمي، بعد اجتماع وُصِفَ بالسرّي والطويل مع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، الذي فاز بـ «عُهدة» رابعة، رغم المعارضة الشرسة وحملات التحريض والاساءة والضجيج الرافض لترشُّحه، ليس فقط في شأن عدم دستورية اجراء كهذا، حتى في ظل تعديلات أُدْخِلتْ على الدستور، وانما ايضاً لأن الرجل مريض جداً وغير قادر على الحركة والنطق، رغم ظهوره «ناخباً» ولو على كرسي متحرك، ورغم الوعود التي بذلها لادخال اصلاحات جوهوية على النظام القائم واطلاق الحريات وغيرها من «التعهدات» التي يبرع فيها المرشحون لمناصب تنفيذية او تشريعية، ثم لا يلبثوا ان ينسوها او يتنكروا لها او ينقبلوا عليها، والامثلة «العربية» لا تُعد ولا تُحصى في هذا الزمن العربي الأردأ.
نقول: لا داعي للربط بين تلك التسريبات التي قد تكون صحيحة وقد لا تكون، وبين ما بات مؤكداً وهو استقالة الابراهيمي من المهمة، التي كلفته بها الامم المتحدة، «وألحقت» بها الجامعة العربية العاجزة والمنحازة، والتي تقوم بدور الدمية في المسألة السورية، رغم ان سوريا لم تعترف بالشق «العربي» لمهمة الابراهيمي، وتعاطت معه كمبعوث أممي ليس الاّ، ولم تكن صدفة، رفض دمشق استقبال «نائبه» ناصر القدوة، الذي كان مرشحاً من الجامعة العربية، وكان – من أسفٍِ – منحازاً لصالح المحور العربي داخل الجامعة الذي قاد عملية شيطنة للنظام السوري وراح يروج لنظريات واطروحات ذلك المحور في تخلٍ واضحِ وفاضحِ عن دور الحياد والموضوعية، الذي يتوجب ان ينهض به أي وسيط في أي مسألة ما بالك اننا امام ازمة غير مسبوقة, اقرب الى حرب كونية التقت اهدافا ومصالح اقليمية ودولية على تدمير ذلك البلد العربي بأي ثمن وبكل وسيلة.
يستقيل الابراهيمي بعد ان وصلت مهمته الى طريق مسدود, وبعد أن سدت واشنطن امامه كل السبل وبخاصة في الشهر المنصرم, عندما رفضت اقتراحه عقد لقاء ثلاثي (روسي، اميركي، أممي) لمناقشة الازمة السورية, بعد أن تم «إفهامه» بأنها لم تعد اولوية اميركية، وأن الازمة الاوكرانية هي التي تتصدر جدول الاعمال, وعليه أن «ينسى» حكاية «جنيف 3», فالظروف قد اختلفت وموازين القوى على الارض باتت كابوسية, فضلاً عن تصدّع «محور» اصدقاء سوريا وتركيز اوروبا وبخاصة بريطانيا وفرنسا على معالجة مسألة «مجاهديها», الذين يستعدون للعودة الى «بلادهم» وربما–إن لم يكن اكيداً–البدء بتطبيق الخبرات والايديولوجيات التي اعتنقوه.. ميدانياً على أرضها..
ليس هذا كله, بل ثمة ما يتحمله الابراهيمي شخصياً من مسؤولية, بعد أن بدا في المراحل الاولى من مهمته وكأنه «ينعي» النظام السوري, وعلى «قناعة» بأن سقوطه مسألة وقت, ولهذا منح اولوية لهمروجة الحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات الكاملة التي لا تجعل من دور الرئيس السوري شأناً رمزياً فحسب، بل تدعوه الى استسلام كامل والاعتراف بالهزيمة على يد «الثوار» والمجاهدين، الذين سيأتون – ومَنْ دَعَمَهُمْ وموّلهم وسلّحهم – بالديمقراطية وحقوق الانسان والحرية والعدالة الاجتماعية، لأن الشعب السوري يستحق أكثر من ذلك، على ما دأب الابراهيمي القول، دون ان يدين جرائم المعارضة، او يوجه اصابع الاتهام لمن يحرضونها على رفض الحوار والمضي قُدُماً في العسكرة والتخريب ، بل واصل الغمز من قناة النظام، والايحاء بأنه هو الذي يتحمل «المسؤولية» وانّ عليه تنفيذ «بنود جنيف 1»..
يُسجل للابراهيمي انه «شطب» الجامعة العربية.. مبكراً، وراجت انباء عن توتر العلاقة بينه وبين نبيل العربي، الذي لم «يُقصّر» في اداء دور الدمية والبوق الناطق باسم «المحور» الذي اختطف الجامعة وسخّرها لخدمة اهداف عواصم اقليمية عربية وغير عربية، رفض بعضها حتى مجرد استقبال الابراهيمي او التحاور معه او سماع وجهة نظره، الا ان الابراهيمي–الذي لا يختلف اثنان على كياسته وتواضعه ودماثته وعمق خبرته وصبره–فشل في «اقامة» موقف متوازن ازاء ازمة اكثر تعقيداً وخطورة واكلافاً من أي ازمة اخرى، ربما بعد انتهاء الحرب الباردة (جاءت الازمة الاوكرانية لتتقدم عليها، الا انها تلتقي معها في الخطورة وفداحة الاستحقاقات)..
اياً يكن الذي سيخلف الابراهيمي سواء كان الاسباني «الاطلسي» والاوروبي خافيير سولانا، ام كمال مرجان احد وزراء نظام بن علي او أي اسم آخر، فان مصيره لن يختلف عن مصير كوفي انان كما الابراهيمي، اللهم الاّ اذا امتلك الجرأة والعزيمة والمثابرة، وقال في صوت جهير ارفعوا ايديكم عن سوريا، ودعوا السوريين يحلّون مشاكلهم بأنفسهم.. اما غير ذلك فرهان على المجهول والاخفاق الاكيد..
(الرأي)