كل ما جرى ويجري على الصعيد الإقليمي يدعو وبشدة إلى ضرورة إجراء المراجعة الشاملة على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والتربوية والتعليمية ومن كل الأطراف بلا استثناء، سواء على الصعيد الرسمي من أنظمة وحكومات ومؤسسات دولة، أو على الصعيد الشعبي والمدني من قوى سياسية واجتماعية وكل من يصنف نفسه على صعيد المعارضة أو الموالاة، وذلك بسبب الفشل المركب والمتراكم في حلحلة الأزمات الثقيلة التي تعصف بنا جميعاً منذ عقود، وبسبب الفشل المستحكم في قيادة مشروع نهضوي عربي ناجح قادر على تلبية طموح الشعوب العربية بالتقدم، وقادر على تحقيق التنافس مع المشاريع الإقليمية التي تتنافس على منطقتنا ومقدراتنا والتحكم في مصيرنا ورسم معالم مستقبلنا.
على جميع الأطراف أن لا تعمد إلى تكرار وصفات الفشل مرة بعد مرة، وأن لا تعمد إلى إعادة إنتاج قصص العجز ومسيرة التخلف من خلال تغيير الشعارات وألوان القشرة الخارجية مع الإصرار على إبقاء الجوهر المكرور، مصحوباً بالحرص على عدم ممارسة التقويم والنقد الذاتي، ومحاربة كل من يدعو إلى المراجعة.
ينبغي على سدنة المراحل السابقة أن يعملوا بإخلاص على ايجاد بيئة سياسية جديدة، قادرة على استنبات مشاريع ابداعية تتجاوز كل الأطر التقليدية بجرأة، وأن تشرع في عملية البحث المشترك عن صيغ مبتكرة، تتجاوز الأجيال من خلالها كل القوالب الجامدة، وتقفز فوق حواجز الحصار الوهمية التي سدت منافذ الحوار الجدي والنقد العميق.
يجب أن تدرك جموع الشباب أنها أمام مهمة تشكيل المشروع الوطني المكتمل إطاراً ومضموناً، وفلسفة وغاية واهدافاً، الذي يحمل عبء النهوض بالدولة وحمايتها، وإرساء طروحاتها الفكرية والسياسية المشتقة من الإطار الحضاري العربي الإسلامي الواسع الذي يشكل السجل التاريخي لتراث الأمة وتجاربها عبر الزمن، حيث استطاع أن يقدم للبشرية أفضل إنجاز على صعيد القيم الأخلاقية والعلوم الإنسانية .
نحن أمام مرحلة حرجة من تاريخ العرب الحديث، التي تتسم باتساع الفجوة بيننا وبين شعوب العالم المتقدم.
مما يحتم على كل صاحب عقل وكل صاحب مسؤولية أن يبادر إلى الإسهام في تمليك الأجيال الجديدة إمكانات ردم الفجوة من خلال إعادة بناء الإنسان العربي وإعادة بناء المجتمعات العربية المتسلحة بالعلم والمعرفة والأدب والانتماء العميق للوطن والأمة والانتماء الأكثر عمقاً لمشروعها الحضاري وهويتها الثقافية.
نحن في الأردن أمام ضرورة استكمال المشروع الوطني، الذي يمثل مشروع الشعب الأردني كله، ومشروع الدولة بكل مؤسساتها وأفرادها، مما يؤكد ضرورة الهاب المشاعر الوطنية، وتعميق معالم الانتماء المتأجج والمتمكن دون تردد أو ارتياب، ودون تشكيك أو اضعاف، حيث لا يمكن للأردنيين أن يحملوا مشروعاً آخر أو دعم مشروع آخر، إذا لم يتمكنوا من النجاح في بناء مشروعهم الناهض الذي يتحمّل مسؤولياته المحلية والعربية والاسلامية بكفاءة ورجولة وعزم واقتدار.
الدين أولاً، والعقل ثانياً، والفطرة ثالثاً، والوطنية الصادقة قبل ذلك وبعده تفرض على كل أردني أن يسخر عقله ويده، وفكره وقلمه ومشاعره وملكاته وقدراته وكل ما يملك في إطار العمل الجمعي المتكامل، بطريقة فرديّة وجماعية من أجل الانطلاق في عملية البناء المحكم وفقاً لرؤية استراتيجية قائمة على مقاومة كل المشاريع الوافدة، التي تخدم مصالح الأعداء، ولا تصب في مصالح الشعب الأردني العليا التي تنسجم وتتكامل مع المصالح العربية والاسلامية على وجه العموم.
(الدستور)