إنه جالس وللدقة هو (جاعص) على تلك الأريكة التي أمتلكها في الحضور والغياب ، ليس من يجرؤ على الجلوس عليها حتى في غيابه كونها مخلصة له للدرجة التي يشعر بها أي جالس غيره إنها تنتفض من تحته وكأنها تقول ... ( أيها الجالس انهض حالا فالخدمة حصريه... )منذ سنوات جرت العادة أن يرتدي ذاك الرجل تلك البيجامه العتيقة العتيدة ويجعص فوق تلك الأريكة ، ساعة يداعب هذه وساعة يلاعب تلك ولاشيء غيرهما في حياته ...
ومع بزوغ شمس اليوم الأول من السنة الجديدة 2008، شاء القدر أن يدخل هذا الوحيد إلى إحدى المحلات فتصطدم ذراعه ببيجامه يافعة ، زاهية في لونها وشكلها وناعمة كالحرير في ملمسها وبلا أدنى تردد قام بشرائها على الفور وأتجه إلى تلك التلة المرتفعة حيث يقبع منزله الأنيق وقام بارتدائها مستشعرا ذاك الوهج الذي أنطلق من بين أطراف البيجامة الزاهية والذي أضاء ما حوله من عتمة وظلام ، ومن شدة هذا الوهج لم ينتبه الوحيد أن البيجامه صغيرة الحجم وأن ارتدائه لها لعدة مرات قد يمزقها أو يخدشها خصوصا أنها بيجامة من نوع فاخر وصنعت من قماش في أعلى درجات الحساسية...
شعر بفرح كالذي كان يشعر به عندما كان يرتدي ملابس العيد أيام الطفولة، وقف أمام المرآة، اكتشف أنها تخفي كرشه البارزة وتضفي عليه مظهرا شبابيا..
في الليلة الأولى لارتداء البيجامه اليافعة رأى الوحيد في منامه أنه يبني بيتا جميلا ، محفوفا بالحب والسعادة ، يعيش به مع زوجة جميلة تنجب له أطفالا أصحاء أقوياء يعلمهم ما أكتسب من علم وخبرة على طول السنين و هو بدوره يرعاهم بقلب حنون وحضن دافئ...
أستيقظ صديقنا من حلمه الرائع والوحيد على مر سنين عمره الطويل ، ليجد البيجامة الجديدة فوق جسده تلاعبه ويلاعبها ولو كان من المعقول لطارحها الغرام أيضا لأنها على ما يبدو هي السبب في ذلك الحلم الذي لابد من تحويله إلى حقيقة في غضون أيام ...
ومضى شهر بالكامل قضاه الوحيد مرتديا تلك البيجامه أينما ذهب ، حتى انه كان يغار عليها من الآخرين الذين كانوا يرمقونه بنظرات الحسد والغبطة لامتلاكه لتلك البيجامة الفريدة ...
وذات ليلة سوداء ، اتسخت البيجامه الجميلة ببضع من (لبن المنسف ) فقرر الوحيد أن يذهب إلى المغسلة الأوتوماتيكية ويطلب منهم أن يقوموا بغسلها بعد أن أقترف خطيئته بسكب اللبن عليها أثناء الأكل ، طلب منهم أن يقوموا بغسلها برقة ولطف لأنها غاية في النعومة ووعدهم أنه سيعود في اقرب وقت ...
وذهب إلى بيته وارتدى بيجامته العتيقة التي راحت تصب عليه جم الغضب واللوم لأنه أستخدم بيجامة غيرها وهي التي رافقته لعشر سنوات دون كلل أو تعب ، فما كان منه إلا أن يسترضيها بثوان عديدة ويؤكد لها أن ما فعله هو محض من اللامنطق ولابد من تصحيحه ، وبعد مرور ما يزيد على عشرة أيام متواصلة قام ببعث رسالة إلى المغسلة التي وضع فيها بيجامته الجديدة مكتوب فيها :
( شكرا على غسيل البيجامه ، لكنني لم أعد بحاجة إليها ، أرجو أن تقوموا بإعطائها إلى أي شخص يعجب بها لمظهرها ، أما أنا فلا عدت أريدها ولا عدت أريد تلك الأحلام الوردية التي رأيتها بتلك البيجامه ، كل ما في الأمر أنني أحببت أن أثبت لنفسي أنني مازلت قادرا على تلك الأحلام لا أكثر هذا فضلا عن أنها صغيرة الحجم وهذا غير لائق لشخصي الكريم ،،، ودمتم بخير )
وبعد أن علمت تلك البيجامه اليافعة المسكينة برسالته إلى المغسلة ، لم تبدي أيا من الغضب بل إنها اختلقت له الأعذار الغيابية تقديرا منها لشخصه الكريم ، وهاهي الآن تتجرع الحزن بما أصابها بصمت وهدوء دونما أن يشعر احد ، أما الأريكة التي كان يجعص عليها كل مساء فلم تعد مخلصة له بل أنها لم تعد تسمح له بذلك لأنها فجعت بفعلته تجاه تلك البيجامه الأنيقة اليافعة التي أسدلت على ذاك الوحيد بحب وإحترام لم يشهد له مثيل ...
ملاحظة : حاولت بنفسي شراء تلك البيجامه المخلصة من المغسلة وبأي ثمن لكنها وكما يقول عامل الغسيل ليست للبيع فلقد قررت أن تصبح بيجامه عذراء مدى الحياة تكريما للوحيد...
Dana_najdawi@yahoo.com