"رقصة يزيد .. وحكم التاريخ"
ابراهيم العجلوني
25-02-2008 02:00 AM
سكر يزيد، فقام يرقص، فسقط على رأسه فانشقّ وبدا دماغه...ذلك ما ذكره محمد بن أحمد بن مسمع مما أوردته كتب التاريخ بعد سقوط يزيد عن كرسيّه فيما يعتبر درساً لكل يزيد آخر، صغر أو كبر...
وكان مما قاله عالماً في "سير أعلام النبلاء" إن يزيداً كان ناصبياً فظاً غليظاً، جلفاً...
وروي أن رجلاً كان عند عمر بن عبد العزيز قال: "قال أمير المؤمنين يزيد" فأمر الخليفة الخامس به فضرب عشرين سوطاً..
وما نحن في مقام الاعتبار بما كان من رقصة يزيد وسكرته (وكان رجلاً ضخماً كثير الشعر شديد الأدمة) ولا بما كان من سقوطه على رأسه. ولكننا في مقام من يرى إلى حكم التاريخ فيه، بعد أن وجد في الناس من يقوم بين يديه فيقول: "بارك الله لك في العطية وأعانك على الرعية (كذا) فقد أصبحت ترعى الأمة والله يرعاك"..
وحكم التاريخ، لو تعلمون، لا مُعَقِّبَ له، وهو حكم غير مأخوذ بضجيج اللحظة وهيلمان الوقت، حكم عدل وقول فصل، لا يزحزحه نفاق المنافقين ولا وسوسة الموسوسين، سواءً أتمثّل ذلك أشخاصاً بأعيانهم من غثاء الخلق أم مؤسسات إعلام ومراكز دراسات على نحو ما نسمع ونرى أيامنا هذه.
وليس يلزم لرقصة يزيد أن يكون يزيد خليفة تم تنصيبه بقوة السيف، أو أن يقول من أشار على والده معاوية (وهو المغيرة بن شعبة) بذلك: "لقد وضعت رجل معاوية في غرز غيٍّ لا يزال فيه إلى يوم القيامة".
أو يقول في ذلك "الحسن بن علي" سبط رسولنا الأعظم عليه صلوات الله وسلامه: "فمن أجل ذلك بايع هؤلاء أولادهم، ولولا ذلك لكانت شورى".
لا يلزم لرقصة يزيد أن يكون ثمة يزيد الذي نعرفه فربّ يزيدٍ راقصٍ خلف كرسيّ أوصله إليه الفسادُ وغفلة العباد، وربّ يزيد راقصٍ في مؤسسة صغيرة لا يتجاوز العاملون فيها بضعة أفراد، ورب يزيد راقص في هيلمان صغير موهوم، ورب يزيد راقص حماقةً في ثيابه، منتزعٍ من إهابه..
وحين يكثر في مجتمع ما هؤلاء الراقصون، الذين هم في سكراتهم يعمهون، فإن ذلك من دلائل رسوخ طبائع الاستبداد في ذلك المجتمع، ناهيك به نذيراً بين يدي إنهيارات متتابعة لا بدّ- لإعادة توازن المجتمعات- من أن يواجهها رجال التنوير والاصلاح، وإن كانوا هم الأضعف ناصراً والأقلِّ عدداً؛ تلك هي رسالتهم، وذلك هو سعيهم النبيل الذي هم فيه يجتهدون.