من مؤلمات الأوجاع أن يظلم التاريخ النقي الصادق ، فيُوسم بالتشوهات و تكثر على بياضه البقع السوداء ، وأن يخرج من يدي صانعيه الأحرار الأمجاد ، حكماء و شهداء و خيرة الخيرة ، إلى أيدي الجهلة و العابثين و المستأجَرين بثمن بخس ، فينهدم البناء الشامخ ، و يهوي دافنا تحت أنقاضه شرف الشرفاء و أمجاد العظماء ، الذين شيَّدوه بعرق الولاء و الانتماء ، قابضين على جمر ناره بالصبر و الإيثار و التضحيات ، فاستبدل العدل بالظلم و الأنفة بالخنوع و الشهامة بالمذلة ، و الجرأة بالنفاق و الإحسان بالإساءة ، فظهر تاريخ جديد ، زيَف الماضي كله و ذهب به أدراج الرياح ، و الفاعلون لكل هذا نفر محدود ومعدود ، أخذتهم إغراءات الحاقدين على هذا الوطن فعاثوا فسادا .
التاريخ الآن تحت المجهر ، ويجب ألا تترك صياغته للعابثين ، وأبناء الوطن الكرام كثر ، مداد حبرهم كرامة ، و كبرياؤهم إخلاص و تواضعهم إنجاز العمل ، رسالتهم نصرة الوطن ، لا يغرقون بمستنقع الفاسدين المأجورين ، تجار المصائب و الأزمات ، لأن الاحرار لا يفسد ملحهم أبدا ، و الطبيعة تحافظ على أصالتها إلا إذا عبث بها أهل الشر .
العبث بالوطن بالسر و العلن أخذ يطفو على السطح و فوق السطح ، من قبل عابث أو عابثين ، و الأسوأ منهم من روج لأعمالهم ، و حبك لها خيوطا و نسيجا ، لينطق بدلا منهم خدمة لهم ، فينتج الضوضاء و الفوضاء و الهراء ، بالتشدق بالكلام من فوق المنابر ، لتصوير المشهد من أجل إثارة من لا يثار ، وهذا هو الخطر الأكبر و الحقيقي ، والأمناء الشرفاء صامتون على كل ما يرون و ما يسمعون ، و الصمت للأسف إقرار للشيء وليس نفيا له ، فإن تمت الاستهانة بالهين تعاظم ، وكان مقدمة لزلزال عنيف ، يذهب بقوة الوطن و مقدراته ، ويفكك النسيج الذي ما زال مضرب المثل بالمناعة و المتانة .
المؤلم الموجع و المرض العضال ، أن من آذى الوطن هم من يحملون هويته وأصالته ومن يعول عليهم بالمساهمة المؤثرة في البناء و الرعاية او الحماية، نريد أن يبرز دورهم جليا بأعمال الخير لا بأعمال الشر ، هم للوطن و الوطن لهم ولا يتخلى عنهم ، فمن درج رضيعا على أرضه ، احتضنته ذرات ترابه تحت ثراها في كهولته و هرمه .
الملح لا يفسد ، وإذا فسد الملح فمن يصلحه ، فهل نبحث حينها عن المختبرات و المختصين بالكيماويات ، فقد يكون الزمان حينها قد مات.
حمى الله الأردن وشعبه و مليكه .
(الدستور)