لماذا لا يحتج الأردنيون على ارتفاع الأسعار؟ ولماذا فشلت دعوة عدد من الأحزاب و "حركة لا" في جمع "جمهور" كبير واقتصر "الجمهور الكبير" على نحو 50 شخص؟ هناك عدة أسباب قد تفسر السلوك "التكيفي" للمجتمع الأردني.السبب الأول هو التفهم الذي أبداه الأردنيون لمسألة رفع الأسعار والذي يرتكز إلى أن هناك إدراك من قبل الرأي العام أن ارتفاع أسعار الطاقة هو عالمي وليس مقتصراً على الأردن. كما أن الحكومة بدأت بطرح الموضوع منذ عام تقريباً وأصبح ارتفاع الأسعار والحال الاقتصادي موضوع رئيس للحوار في المنازل والدواوين والمناسبات. ويدرك الأردنيون أن ارتفاع أسعار الطاقة -ورفع الدعم عن الأعلاف- يؤدي إلى رفع أسعار سلع أخرى بحسب كمية الطاقة المستهلكة في إنتاجها وتسويقها. وهذا لا يبرر بأي شكل من الإشكال حالة الانفلات التي تشهدها الأسواق هذه الأيام والتي ذهبت كثيراً أبعد من الحالة المنطقية للارتفاع. وفي ظل غياب قواعد السوق في بعض القطاعات وعدم نضوجها في قطاعات أخرى ووجود الاحتكار على الرغم من أن الدولة تبنت الاقتصاد الحر كنموذج اقتصادي ينبغي أن يكون للدولة دور أكثر فاعلية في ضبط الأسواق. تفهم المجتمع لارتفاع الأسعار لا ينبغي أن يُترجم لمصلحة الاحتكارات والجشع وإنما لمصلحة الأردن وكل شعبه.
السبب الثاني هو إدراك الناس أن كلفة الفعل الاحتجاجي تفوق العائد الذي يمكن تحصيله نتيجة القيام بهذا الفعل، خصوصاً الفعل الاحتجاجي العنيف أو غير السلمي. على المستوى الفردي، يبدو أنه من الصعوبة بمكان أن يقوم الفرد بالتظاهر أو الاعتصام من اجل تعزيز مكاسبه الاقتصادية في ظل رفع الدعم. لأن رفع الدعم يسري على شرائح المجتمع كافة ولا شك أن هناك من يتضرر أكثر من غيره ولكن العدالة في دفع الثمن هي عدالة أيضاً وتتبع الاستهلاك. ولكن هذا لا يبرر أيضاً أن يكون في الأردن من لا يجد ما يقي برد الشتاء وما يسد رمق الجوع.
السبب الثالث هو الحفاظ على الأمن والاستقرار والسمعة التي يحظى بها الأردن على مستوى العالم في هذا المجال. تعي الأغلبية من المواطنين الأردنيين أن مستوى الأمن والاستقرار الذي يحظى به البلد يجلب السياحة والاستثمار والطلاب من دول الجوار والعالم. ويشكل هذا الحراك الاقتصادي دافعاً للنمو الذي سينعكس - ولو بتباطؤ وعدم انتظام زمني- على شرائح المجتمع كافة. التظاهر وخصوصاً التظاهر غير السلمي يؤدي لتغيير سمعة الأمن والاستقرار ويؤدي لتراجع الاستثمار والسياحة ويضعف حركة التنقل الداخلي التي تولد حراك اقتصادي على صعيد خدمات السفر المحلي. كما أن استعداد الأردنيين للمشاركة في فعل احتجاجي منخفض مقارنة بدول عربية أخرى. إذ قال 11% من الأردنيين أنهم شاركوا في عمل احتجاجي (تظاهر، اعتصام) خلال السنوات 2003-2006، مقارنة بـ 20% في المغرب، و21% في الجزائر، 27% في اليمن، 33% في فلسطين، 34% في الكويت، 45% في لبنان.
السبب الرابع هو ارتباط القوى العاملة بالدولة. حيث يبلغ عدد من يتقاضون رواتب جارية أو تقاعدية من الدولة بنحو نصف مليون مواطن ويبلغ حجم العائلة نحو 6 أفراد وهذا يعني أن نحو ثلاثة ملايين مواطن يعتمدون على الدولة في حياتهم ومن غير الرشد لهؤلاء أن يقوموا بزعزعة استقرار الدولة التي هي مصدر رزقهم. الخيار العقلاني لهؤلاء هو التكيف مع الحال الذي يعرفون وهو أكثر عقلانية من اللجوء للاحتجاج العنيف الذي لن يُحسّن من حالهم الاقتصادي بل على العكس سيتأثرون سلباً عن طريق الكلفة المباشرة المترتبة عليهم (التنظيم، النقل، التعطل عن العمل، المخاطرة بالأمن الشخصي وما إلى ذلك). القطاع الخاص ينشأ ويترعرع في البيئة الآمنة التي توفرها الدولة وبما أن الدولة هي المنفق الأكبر ويعتاش على إنفاقها جزء كبير من القطاع الخاص، فإن مصلحة القطاع الخاص تتطلب استمرار حالة الأمن التي تمكنه من الاستمرار في العمل وهذه مصلحة العاملين فيه أيضاً.
السبب الخامس هو حوالات المغتربين البالغ عددهم نحو نصف مليون. ويتداخل هذا العامل مع عوامل العمل في الدولة وفي القطاع الخاص. غالباً ما نجد في عائلة واحدة موظف أو متقاعد من الحكومة وموظف في القطاع الخاص ومغترب. وتشكل هذه العوامل شبكة آمان اجتماعي عائلي يعتمد على المسؤولية الفردية لأفراد العائلة تجاهها.
السبب السادس هو الإحساس بالعدالة والمساواة من عدمه. تشير استطلاعات الرأي إلى أن نسبة الأردنيين الذين يعتقدون أنه لا يوجد مساواة في الأردن عام 2007 بلغ 14%، وتقارن هذه النسبة بـ 17% عامي 2003 و 2002، و19% عام 2001، 13% في عامي 2000 و1999. وبلغ المعدل لهذه السنوات 16%. انتفضت مدينة معان عام 2002 عندما كانت نسبة من يعتقدون من سكان معان أنه لا يوجد مساواة في الأردن 24% عام 2002 و 34% في عام 2003. في عام 2007 عادت نسبة من يعتقدون أنه لا يوجد مساواة في الأردن من سكان معان إلى 11% وهي أقل من المعدل الوطني (16%). وينطبق ذات النمط التحليلي على تصورات الأردنيين لمستوى العدالة في الأردن وفي معان. ارتفاع نسبة الذين يعتقدون بعدم وجود مساواة في الأردن إلى ضعفي المعدل الوطني في محافظة ما قد يؤدي إلى تحرك احتجاجي إذا توفرت ظروف مساندة أو غياب ظروف متوافرة في محافظات أخرى. ولنا عودة موسعة لها الموضوع خلال الأسابيع القادمة.