على هامش انتخابات نقابة الصحفيين الأردنيين
بلال حسن التل
30-04-2014 03:39 AM
اختارت الهيئة العامة لنقابة الصحفيين الأردنيين قبل أيام نقيبًا ومجلسَ نقابةٍ جديدين، في واحدة من أكثر الدورات الانتخابية برودة منذ أربعة عقود، واكبْتُ خلالها وعن قرب انتخابات هذه النقابة، التي كانت ذات يوم النقابة الأهم من حيث تأثيرها وأهميتها وانشغال الدولة والناس بانتخاباتها، ونتائج هذه الانتخابات؛ مثلما كانت في مقدمة النقابات من حيث الامتيازات التي تقدمها لأعضائها.. لكن ذلك كله تبدَّل.. إن لم نقل ذهب مع الريح، ولم يعد للنقابة التي زاد أعضاؤها الآن عن الألف ذلك التأثير والألق الذي كان لها يوم كان أعضاؤها لا يزيدون عن العشرات، يعلمون معنى الانتماء لبلاط صاحبة الجلالة (الصحافة).. يومها كان الموقف والمهنية سيدا للمشهد، وكان للصحافة تأثيرها الحاسم وأثرها الملموس. بينما صارت الشللية واللامبالاة الآن في صدارته. وأخذ الأثر والتأثير يتلاشيان..
ومثلما كانت الانتخابات الأخيرة هي الأكثر برودة، فقد كانت الانتخابات الأكثر علوًا لصوت الانتقاد لواقع النقابة، والتبرم من هذا الواقع. وعلى الرغم من أن اللوم يوجّه لمجالس النقابة المتعاقبة، غير أن المسؤولية الأساس من وجهة نظري، تقع على الهيئة العامة للنقابة التي لا يرتبط جلّ أعضائها بالنقابة، وبأدائها من قريب أو بعيد.. بل إن جلّ أعضاء الهيئة العامة لا يزورون مبنى النقابة إلا عند دفع رسوم الاشتراك عند كل انتخاب، وهي الزيارة التي بدأت تغيب في ظل الدفع الجماعي لهذه الرسوم، الذي تقوم به المؤسسات نيابة عن العاملين بها. بل ان جلّ أعضاء الهيئة العامة يتغيبون عن اجتماعات هذه الهيئة، إلا في الاجتماعات التي تجرى فيها انتخابات للنقيب والمجلس.
قد يقول قائل: إن هذا واقع معظم الهيئات العامة للنقابات المهنية والعمالية في بلدنا. والرد على هذا القول هو: إن الأمر صار في نقابة الصحفيين ظاهرة مرضية من جهة. ومن جهة ثانية فإن المفروض أن الصحفيين قدوة في السلوك وفي الإلتزام وفي الدفاع عن الحقوق، وفي محاربة الفساد؛ فإن فقدوا ذلك كله في نقابتهم، فكيف سيدعون الآخرين لممارسته؟.
في ظل هذا الوهن في العلاقة بين نقابة الصحفيين وهيئتها العامة، صار الوهن سمة عامة لكل مكونات النقابة وأولها: شروط العضوية التي تورمت في السنوات الأخيرة تورمًا سرطانيًا، فصار عدد أعضاء نقابة الصحفيين الأردنيين، يزيد عن عدد أعضاء نقابات الصحفيين في دول عدد سكانها أضعاف عدد سكان الأردن، مثلما انها أعرق وأسبق من الأردن في العمل النقابي في المجال الصحفي، لكنها دول ظلت نقاباتها تحترم شروط العضوية فيها، بل وتتشدد في هذه الشروط. بينما تساهلنا نحن إلى حد التفريط بشروط عضوية نقابتنا. فصارت تضم سكرتيرات وموظفين إداريين وفنيين، نالهم رضى مديري مؤسساتها فزودوهم بأوراق تقول انهم صحفيون.. فصاروا يزاحمون الصحفيين الحقيقيين على نقابتهم.
وزاد الطين بله تقاعس مجالس النقابات المتتالية عن تنقيح جداول النقابة، التي صار بعض أعضائها يمارسون مهنًا لا علاقة لها بالصحافة، ولا بالقلم، ولا بالإعلام. بل وفي مهن تتناقض مع ذلك كله، وهذه مخالفة صريحة وواضحة لقانون النقابة، لا تقلّ عنها بشاعة أن مجالس النقابات المتعاقبة، لم تمارس حقها القانوني في منع غير أعضائها من ممارسة المهنة، بل والإعلان عن أنفسهم كصحفيين، وفي ظل هذا التهاون في شروط عضوية النقابة، والامتناع عن تنقيح جدول عضويتها، والتساهل مع الذين يدّعون صفة الصحفي، صارت الصحافة مهنة من لا مهنة له، وباسمها ارتكب الكثير من الموبقات، وصار الإعلام الأردني والصحافة في مقدمته أزمة وطنية نشكو جميعًا منها، غير ان الصناع الرئيسيين لهذه الأزمة الوطنية هم: الحكومات المتعاقبة أولاً، والتي تساهلت في تطبيق القوانين، حتى لا تتهم بأنها ضد حرية الرأي، التي صارت في بلدنا حرية الشتم، والابتزاز، والهيئة العامة لنقابة الصحفيين ثانيًا، والتي قبل أعضاؤها ان تختطف منهم نقابتهم ومهنتهم، عندما اتخذوا موقف اللامُبالي، ولم يظهروا اهتمامًا بما تؤول إليه الأمور، إلا في مواسم الانتخابات، حتى إذا ما انتهت الانتخابات، عاد أعضاء الهيئة العامة إلى طقوس اللامبالاة، التي صارت تمتد مؤخرًا حتى إلى موسم الانتخابات، كما هي الحال في هذه الانتخابات التي جرت مؤخرًا.
وفي ظل لامبالاة أعضاء الهيئة العامة لنقابة الصحفيين بنقابتهم، وبما آلت إليه مهنتهم، وفي ظل وهن مجالس النقابة عن حماية حمى النقابة، نبتت أجسام غريبة، صارت تسطو على أدوار النقابة، بل وتهمّش النقابة، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه من وهن في الجسم النقابي للصحفيين، ومن تراجع في المستوى المهني، ومن هَوانٍ على الناس؛ وتجسد ذلك كله في أزمة وطنية هي: أزمة الإعلام الأردني الذي فقد بوصلته، وفقد معها الكثير من أدواره.
الأمر الذي يحتم على النفر الذي أفنى عقودًا طويلة من عمره في بلاط هذه المهنة، وفي بناء هذه النقابة ان يفيق من غيبوبته في إطار عمل جماعي يعيد للنقابة هيبتها، ومن ثم أدوارها وأول ذلك: الضغط على المجلس الجديد لتدقيق الجدول، وكذلك تشكيل لجان فاعلة للنقابة، خاصة لجنة العضوية، والمجلس التأديبي، ومن ثم العمل على وضع قانون جديد للنقابة، يبنى على أساس مهني، يقوم على التشدد في شروط العضوية واستمراريتها. وفي هذا الإطار ندعو إلى حوار معمق، ومختص بين أهل الخبرة للوصول إلى قانون يحمي المهنة، ويعمل على تطويرها لا قانونًا يحولها إلى مهنة من لا مهنة له. فهذا هو الطريق الوحيد لإنقاذ نقابتنا.. ومن ثم مهنتنا وقبل ذلك سمعتنا التي لطّخها البعض.
(الرأي)