تفاؤل حذر من نهاية يهودية الدولة!
جهاد المحيسن
30-04-2014 03:34 AM
"بالوجوه إلى الأرض يسجد لك ويلحسون غبار رجليك".. "بنو الغريب يبنون أسوارك، وملوكهم يخدمونك، تتفتح أبوابك ليؤتى إليك بغِنى الأمم وتقاد ملوكهم".."يقف الأجانب ويرعون غنمكم، ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم، أما أنتم فتدعون كهنة الرب، تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتآمرون" (التوراة، سفر أشعيا).
شعار "يهودية الدولة" ليس بالجديد، فهو مرتبط بشكل تاريخي بفكرة الدين اليهودي، التي تحاول إعادة إنتاج الصراع في المنطقة على أسس دينية وطائفية. وهذا ما برز بشكل واضح في "الخريف العربي"، حيث حولت المطالب بالإصلاح السياسي والتخلص من الأنظمة الفاسدة وإعادة الاعتبار للجماهير في تقرير مستقبلها، إلى حروب دموية طاحنة كان من أهمها الاختباء وراء الدين والمذهب والطائفة للقتل!
وكان قد سبقها تمهيدات عصر الامتيازات العثماني الذي سمح بالتدخل الغربي في البنى الدينية والاجتماعية القائمة، بحكم تبعية السلطنة العثمانية لهذه القوى الغربية، ثم مسلسل التبعية والاستلاب للآخر لدى النخب العربية قبل وبعد الاستقلال، والتي تزاوجت طموحاتها مع طموحات المشروع الإمبريالي والصهيوني في المنطقة.
تطالعنا ذات الوثائق العثمانية بهذا التدخل وخصوصا الحجج الشرعية في القرن التاسع عشر، إذ سمح العثمانيون من خلال ما يعرف بالإصلاحات العثمانية ببيع وتأجير الوقف الإسلامي لليهود. وفي إحدى الوثائق نقرأ حول وقف الجذماء وتأجيره لليهود في منطقة الجولان، التالي: "المستأجر الخواجا هرون مدير مكتب الأليانس الإسرائيلي بدمشق الشام، من طائفة اليهود، ومن تبعة دولة فرنسا بالوكالة الشرعية عن الموسيو ادمون ده روتشليد من تبعة الدولة الفرنساوية المقيم الآن بمدينة باريس.
المؤجر: علي بن صالح الساكن في باب شرقي بجنينة الجذما والناظر على وقف الجذما بدمشق الشام. أجرّ الثاني للأول: جميع بياض وقرار أرض القرية التابعة لقضاء القنيطرة وتعرف بقرية كوكب، وجميع بياض وقرار أراضي القرى الكائنة في الجيدور التابع للواء حوران التابع لولاية سورية..".
هذه العلاقة الجدلية التي طرحت مع التوسع الغربي في المنطقة للسيطرة عليها، أعيد ترتيب أوراقها من خلال أطروحات الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية، لإعادة ترتيب المنطقة بما يسمح بولادة دول "الملل والطوائف". وبدأ التمرين الميداني مع الدراسات لهذه الأقليات، ووضعها في أولويات اهتمام الغرب. وأسست جماعات ومراكز دراسات ومنظمات غير حكومية ضاغطة في كل الدول المعنية بتفكيكها، وارتبطت بشكل عضوي مع المشروع الغربي للوصول إلى النتيجة النهائية "الدولة اليهودية"!
الفلسطينيون في مفاوضاتهم مع العدو الإسرائيلي، لم يكن على أجندتهم شيء يذكر سوى الحديث عن بناء المستوطنات، وعلى خجل واستحياء يجري الحديث عن عودة جزء محدود من اللاجئين، في حين أن الفكرة المركزية التي يركز عليها العدو في مفاوضاته هي "يهودية الدولة" ورفض عودة اللاجئين!
ومع الشعور بأن هذا الحلم قد بدأ يتصدع مع انكشاف غمامة الخريف العربي، في سورية ومصر وعند الفلسطينيين، بدا التفاؤل بفكرة يهودية الدولة بالخبو، حتى إعادة ترتيب المنطقة من جديد!
(الغد)