facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




المناقشات الأكاديمية


د.زياد خليل الدغامين
29-04-2014 02:03 PM

عمون - جرت الأنظمة والأعراف الأكاديمية أن لا تمنح درجة الماجستير أو الدكتوراه لطالب إلا بعد أن يُتمّ دراسة عدد معين من المواد، ثمّ يقدّم بعدها رسالة علمية أو أطروحة تستكمل بها متطلبات تلك الدرجة. وتخضع هذه الرسالة لامتحان شفوي، يجلس فيه الطالب بين يدي لجنة مناقشة تتكون من مجموعة من أعضاء هيئة التدريس بمن فيهم المشرف على الرسالة، ومن أهداف المناقشات العلمية لتلك الرسائل معرفة مدى وعي الطالب بالمادة التي كتبها، وفي هذا الجانب يكمن امتحان الطالب واختبار مقدرته العلمية وكفاءته البحثية وأهليته لنيل هذه الدرجة العلمية التي يترتب عليها آثار خطيرة تنعكس على العملية التعليمية وعلى نمو المجتمع إيجاباً أو سلباً. كذلك من أهداف المناقشة إثراء الرسالة وبيان ايجابياتها، وتحسين مستواها من الناحية العلمية إن كانت صالحة قابلة للإصلاح والتطوير، وردّها أو دفنها إن كانت جنازة ميتة غير قابلة للحياة!

ونبدأ الحديث من حين تشكيل لجنة المناقشة، وهو تشكيل ينبغي أن يراعي الدّقة والأمانة والأعراف الأكاديمية واحترام التخصص الدقيق، بمعنى لا ينبغي أن يناقش رسالة في القانون التجاري من كان تخصصه في القانون الجنائي، ولا أن يناقش رسالة في المحاسبة من كان متخصصا في إدارة الأعمال، ولا أن يناقش رسالة في فقه الأحوال الشخصية أو القضاء الشرعي من كان متخصصا في الاقتصاد الإسلامي أو الحديث النبوي مثلاً ... وتزداد دقة التخصص المطلوب للمناقشة كلما اقتربنا من موضوع الرسالة. ولذلك تطلب الجامعات معرفة التخصص الدقيق لعضو هيئة التدريس لغايات منها هذه.

ويعاني هذا التشكيل اليوم من خلل واضح، ويواجه مشكلتين طغتا على الموضوعية: إحداهما تتمثل في تلك المحاباة وعدم الموضوعية التي نراها في اختيار أعضاء لجنة المناقشة، فالمشرف له أصدقاء يريد أن يجاملهم ويحفظ ودّهم فيختارهم ليناقشوا معه! ... والكلية ترغب في استقدام مسؤول كبير من خارج الجامعة... والطالب يضغط بوساطاته المتعددة يريد شخصاً بعينه يناقشه ولو كان غير متخصص في موضوع الرسالة! ولربما يتنازع أعضاء القسم ويختلفون في مَن يناقش الطالب، ولربما يضطر رئيس القسم لتغييب التخصص وجعل المناقشة دورية بين أعضاء القسم نظراً لما يترتب عليها من مكافئات مادية. وبمعنى آخر: تلعب الأهواء كثيراً في تشكيل اللجنة بعيداً عن تلك الأسس الموضوعية، فكيف يشهد غير متخصص بأهلية طالب ويمنحه درجة علمية يخدع به الأمة والوطن!

أما المشكلة الثانية: فتكمن في اختيار المتخصص، لكن ليس أيّ متخصص! فالمتخصص نوعان: هيّن ليّن سهل مريح لا يكترث لأي خطأ علمي ولو كان صارخا! .. إنه ذاك الذي يريح المشرف قبل الطالب في المناقشة، ويسكت على جميع عللها هذا إن اكتشف تلك العلل. والثاني: فاحص دقيق جادّ متعب، يعيش حالة من الإقصاء عن أي مناقشة! وتشكيل لجنة المناقشة غالبا ما يتجه إلى الأساتذة المتخصصين "المريحين" فيمرّ هؤلاء على الرسالة مرور الكرام، يناقشون الطالب في همزات الوصل أو القطع، أو تنصرف جهودهم في إحصاء الأخطاء المطبعية والإملائية .. يغيبون عن جوهر الموضوع أو يغيبونه، رحمة أو شفقة أو إحساناً إلى الطالب، أو مجاملة للمشرف؛ لإبقاء حبل الوصال بينهما قائماً في مناقشات قادمة! ويفتخر بعضهم أنه لم يرسب طالبا طول حياته في أي مناقشة، حتى لو كانت منحولة! نعم، إنها رحمة بالطالب ونقمة على العلم! وما ذنب العلم أن يتسلق عليه هؤلاء! وما ذنب الوطن وما ذنب الأمة أن تتحمل أوزارهم!

إنّ المناقشة وما يترتب عليها من نتائج تعدّ شهادة أمام الله تعالى بأنّ الطالب يستحق هذه الدرجة، التي تشبه الإجازة التي كان يمنحها علماؤنا قديماً لطالب العلم. فلا تمنح إلا لمؤهل على قدر كبير من ضبط مسائل العلم وفروعه وأصوله للوقوف أمام طلبة العلم، أو تعليم الأجيال، فينبغي لتلك المناقشة أن تكون علمية موضوعية، بعيدة عن تجريح الطالب أو محاكمته أو الانتقام منه. المطلوب إثراء الرسالة ونقدها نقداً علمياً موضوعياً بنّاءً خدمة للعلم، ورفعاً لسقف المعرفة.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يقوم المناقش بقراءة الرسالة قراءة فاحصة دقيقة؟ نعم لا شكّ في ذلك، ولكن من يفعل ذلك قليل، أما بعضهم فلا يتسع الوقت عنده للقراءة، ولا يكلف نفسه عناء البحث، وتلمس ذلك من خلال مناقشته للطالب، ما عنده إلا جملة أخطاء إملائية ربما عرقله بها الطالب ووضعها في طريقه ليشغله بها! ولربما أوكل غيره بقراءة الرسالة ليضع له ملاحظات يناقش بها الطالب! ولربما يدفعها إلى زميل له يضع له تلك الملاحظات، والأدهى من ذلك أن يكلف بعض طلبته النجباء بإبداء ملحوظاته على الرسالة!

وجدّية المناقشة أمر ضروري لانعكاس آثارها إيجابياً على بقية طلبة الدراسات العليا، وعلى سمعة العلم كذلك، أما حين تكون المناقشة هزلية تقف عند الشكليات، أو "تلفلف" عيوب الرسالة، فلا شك أنّ آثارها السلبية تنعكس على بقية الطلبة، ويتحمل الوطن وزر أولئك الذين يشهرون سيف الشهادة التي يحصلون عليها عن طريق "اللفلفة" ليدفع الوطن من عرق جبينه وتعب أبنائه جميع حقوق هذه الشهادة وامتيازاتها!

ناقشنا رسالة وقرأنا ترجمة عن حياة عالم معاصر، لم أجد مصدراً ولا مرجعاً لتلك الترجمة، فسألت الطالب ما مصدرك في تلك الترجمة؟ فقال أخذتها عن أحد أقربائه، فقلت له: لو سميت ذاك القريب وذكرت رقم هاتفه –على الأقل- لنتثبت من صحة الترجمة، ففعل، فأردت أن أتثبت عن طريق إداري فاضل، فطلبت منه الاتصال بالرقم الذي وضعه الطالب، فاتصل، وسأل وحاور الشخص الذي كان مصدر الطالب في الترجمة... وكانت المفاجأة، أنّ صاحب الرسالة قد أخذ الترجمة عن شخص يعمل على "نتافة دجاج" وهو مستأجر عنده محلاً لبيع الدجاج، وليس له صلة بالعالم صاحب الترجمة لا من قريب ولا من بعيد! فأقسمت أن لا أوقع على نتيجة الرسالة، وأن لا أشهد للطالب شهادة زور، ... ونجح الطالب، واجتازت الرسالة الامتحان، وتفيأت رسالته مكانها على رفوف المكتبات، مكتبات الجامعات، الجامعات العريقات!

... ويمضي قرابة عقد من الزمان ولا أدعى لأي مناقشة في تلك الجامعة! لربما كانت عقوبة أو مزاجية، وغالباً ما تهيمن المزاجية وتتحكم في مجرى العمل الأكاديمي، بل تطغى عليه!

وثمة مشكلة أخرى، حين تكون نتيجة الطالب "تعديل الرسالة" وهي نتيجة تقتضي أن يقوم الطالب بإجراء تعديلات جوهرية على الرسالة، وما تقتضيه تعليمات الدراسات العليا في الجامعات أن تجتمع اللجنة مرة أخرى لإبداء الرأي فيما إذا كان الطالب قد أجرى التعديلات أم لا، والواقع أنني لم أشهد أنّ لجنة ما اجتمعت بكامل أعضائها مرة أخرى للنظر في نتيجة الطالب بعد التعديلات وإعادة تقييم الرسالة، نظراً للمشقة التي يتحملها أعضاء اللجنة خصوصاً المناقش الخارجي، ولربما يكون السبب عدم وجود أيّ مكافأة تذكر لتلك اللجنة! فما يجري أنّ الطالب ينفرد بأعضاء اللجنة ويضغط على كل عضو ليوقع منفرداً على الرسالة متذرعاً بكل الحجج، ومتسولاً بكل الطرق، ذاكراً أوضاعه الإنسانية والاجتماعية الحرجة، قاصداً رحمة المناقش، قائلاً: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء .. ذكر لي بعضهم أنه يعيل يتامى! فقلت: وما علاقة إعالة اليتامى بإصلاح أخطائك الجوهرية ومنهجك البحثي وتوثيقاتك العلمية؟ .. وينجو الطالب من إعادة الاختبار الجادّ والمناقشة الجادّة على الرغم من عدم إجرائه تلك التعديلات.. وتكثر الشهادات!





  • 1 محمد عيسى الشريفين 30-04-2014 | 12:24 AM

    دكتور زياد مقال رائع بارك الله فيك

  • 2 اكاديمي 30-04-2014 | 12:44 AM

    سلام على كرام اللحى و المروة،اصبح لدينا متعهد لتدريس كافة المواد،و اجراء الامتحان الشامل و كتابة الرسالة،و ضمان المناقشة بلجنتها التي لا تعرف عن موضوعها شيئا،و درع التميز،و جائزة الشرف.و هذه الرسائل و مشرفها،و سجلات المواد خير شاهد على ذلك.


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :