دون أي شعور بالإحباط أو اليأس وبكل تفاؤل، يكاد المرء يجزم بأننا قد وصلنا الى حالة غير مسبوقة ولا معهودة في تاريخ أزماتنا وهي التعايش مع الأزمة والمشاكل العالقة، وهذا بات جليا لدى بعض الشخصيات الرسمية والشعبية من الذين لا يجترحون حلاً منطقيا يختصر المراحل الاستكشافية مخابئ الخطر، ويذهب مباشرة الى «مغارة الغول» فينسفها ويزرع مكانها مناطق آمنة تغير حال سكانها للأفضل فكريا وسياسيا واقتصاديا.
فالتعايش مع المشكلة هو بحد ذاته أزمة باتت تهدد الشعور العام، والأجدى أن يعترف كل منا بمشكلته مع الآخر، وفضح الممارسات المعيبة لبعض المتنفعين في المراكز والمدن والمحافظات ممن يضعون شروطهم الشخصية على طاولة التفاوض بالنيابة عن الآخرين، وهذا الحال شهدناه منذ سنوات طوال، وصل من خلاله أشخاص على حساب المحافظات والمدن والقرى، لغاياتهم الضيقة، ثم عند حدوث المشاكل لا أحد يجدهم.
لن أتوقف عند ما يحدث في مدينة معان حتى اليوم، فالقصة باتت مسلسلة، ويبدو أن هناك أطرافا لا يهمها سوى المحافظة على مكتسباتها، تقتات على المشاكل والصراعات، وتفرح لما يصيب أهلنا في هذا الوطن من مصائب لأن في مصائبنا تختبىء مصالحهم، أما التنمية المجتمعية والحث على المسؤولية الجماعية فهما خارج حساباتهم، لذلك فإن ما حدث في معان حدث ويحدث في العديد من مناطق المملكة–الرصيفة أخيرا–ولكن هناك ملاحظات غاية في الأهمية يجب أن تؤخذ على محمل الجد:
الأولى أن هناك حالة من الاستعداء تجاه الجهاز الرسمي، وهذه الحالة يغذيها نفرّ خارج على القانون يعتبرون أنهم أقوى من الدولة برمتها، وكأنهم يعيشون في جزر خاضعة لقوتهم يفعلون ما يشاءون كيفما ومتى يشاءون دون حسيب ولا رقيب ولا انتقاد.
الثانية باتت «موضة» وصرعة ليست بالجديدة بيننا، وهي أن الأهل يقومون بحماية ابنهم أو أبنائهم الأشرار رغم علمهم بسوء أخلاقهم وانحرافهم سلوكيا، ومخالفتهم للقوانين والأخلاق العامة، ومع ذلك يضعون الوطن وهيبة الدولة وحرمة بيوتهم وسمعة قراهم ومدنهم وعائلاتهم تحت أقدام أبنائهم العاقين عائليا ووطنيا وأخلاقيا، بل وبينهم متهمون بجرائم، ولا يخطر في بال أحد منهم أنهم يرعون وحوشا ستفتك بهم يوما ما، والأجدى تسليمهم للقضاء ليحاكموا مثل بقية أهل هذه الأرض.
الثالثة هي أن حياة رجل الأمن أقل شأناً وقيمة من حياة شقيقه المدني، فمجرد إطلاق النار على رجل أمن وقتله بات لا يشكل قلقا لدى المجرم أو حتى المجتمع، كما يشكل لو أن المغدور مواطن عادي ومن نفس العائلة أو العشيرة حتى لو كان أقل شأنا، ففي حالة الأخير تقوم الدنيا وتقعد وتتشكل الجاهات وتؤخذ العطوات والضمانات وكلمات التفخيم والاسترضاء من أهل الجاني وأنصارهم لأهل المغدور، أما رجل الأمن فلا بواكي له، وكأنه جندي من جيش الاحتلال.
الرابعة وهي من الأهمية بمكان تتلخص في أن كل حملة أمنية أو إجراء حكومي ضد منطقة ما أو بؤرة خطر لا تتبعها إجراءات تنظيف وتغيير في الواقع، فلا تعالج أسباب المشاكل، بل يكتفى بحل المشكلة شكليا بصورة آنية ثم تنسى تلك المنطقة تنمويا وتربويا ولا يُسأل عن البديل الذي يغير في حال أهل تلك المنطقة، وهذا قصور في معالجة المشاكل والأزمات، يزيد في الاحتقان والشعور بسرعة الإجراء الأمني والجزاء وبطء عمليات التنمية والعطاء، فتعود نفس المشاكل تنفجر من جديد كحمم البراكين الراكدة.
إن التعايش مع المشكلة يولد حالة من اللامبالاة بين الطرفين تتضخم الى شعور بالنقمة تتطور الى الانتقام، ولذلك نرى كيف أن المسؤولين الذين يضعون حلولاً نظرياً يرحلون مع حلولهم وتبقى المشاكل موجودة وموصومة بأشخاصهم، لذلك على من يتدخلون لحل مشكلة ما أن يحلوها جذرياً، لا آنياً باستخدام المسكنات أو المراهنة على الزمن، فالزمن لم يغير فينا شيئاً بل غيرنا الى الأسوأ للأسف، حتى بتنا نشعر بأن هناك أزمة في إدارة الأزمة لدينا، وهناك إجراء أحادي واحد لا يحل مشكلة وهو الإجراء الأمني الاستقطابي الاستيعابي.
(الرأي)