اختارت إحدى المرشحات العراقيات للانتخابات التشريعية أن تنشر صورا لها؛ حينا بحجاب في الملصقات التي ستنشر في منطقة مسلمة، وأخرى من دون حجاب في مناطق مسيحية. إنه واحد من ديناميات التحايل على الواقع العراقي وإن بقالب ركيك وهزلي، وهو أمر سبق أن فعلته مرشحة عراقية في انتخابات عام 2010.
ففي هذه الأيام، يعيش العراق على وقع احتدام كرنفال دعائي عشوائي قبيل أيام من التصويت على اختيار برلمان جديد. وهذا الكرنفال لا يخرج عن نسق مألوف شهدناه في انتخابات عربية كثيرة، إذ تكاد تنحصر لغة المخاطبة والإقناع بين المرشح وناخبيه بصور وشعارات يجري ارتجال مضامينها وأشكالها وقذفها بكثافة وملء فضاءات الشوارع والطرق بها. هذا نمط من التواصل لا يثمر سوى مزيد من الضبابية لدى الناخب، خصوصا حين يجنح بعض المرشحين مثلا فيضعون صورهم على أكياس البطاطس المقرمشة. المعضلة نفسها تواجه المرشحات العراقيات اللاتي يظهرن حماسة أكبر من السابق تجلت في أعداد المرشحات وفي كيفية تقديمهن لأنفسهن عبر الملصقات والصور أيضا. صحيح أن ظاهرة المرأة «العورة» التي شهدناها في الانتخابات السابقة تكررت هذا العام، بمعنى أن هناك مرشحات استبدلن بصورهن صور ذكور من العائلة، لكن لحظت شوارع العراق صورا كثيرة لمرشحات سيدات وشابات غير محجبات ومنهن من كانت صورهن جريئة بعض الشيء بمقاييس الشارع العراقي.
وردود الفعل السريعة على الحماسة النسائية جنحت في بعض الأحيان كما ظهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فقد راجت صور كثيرة لصبية وشبان صغار يقفن في الطرق ويعمدن إلى تقبيل صور المرشحات أو تمزيقهن، حتى إن شرطيا عراقيا لم يتردد في تصوير نفسه بزيه الرسمي وهو ينكب على صورة مرشحة ليقبلها.
ليس إيراد هذه الأمثلة للسخرية من مسألة إقبال العراقيات على الترشح ولا من بعض الردود الصبيانية، لكن العشوائية والارتجال الحاصل يشيان بنقص في الخبرة وفي آلية المخاطبة. هذا النقص في الحقيقة ليس حكرا على النساء، بل هو يتضاعف لدى المرشحين الذكور.
المحبط في انتعاشة الترشح هذه هو أن التوقعات لا تشي بتغيير كبير عن سياق الانتخابات السابقة التي لم تنجح فيها سوى أربع من النساء، فيما جرى ملء كوتا الـ25 في المائة المطلوبة في البرلمان بتعيين سيدات من قبل الأحزاب الفائزة وهذا سيناريو متوقع أيضا في هذه الانتخابات.. ما لم تحدث انعطافة بارزة في مزاج الناخب والناخبة العراقية فلن تكون البرلمانيات الفائزات سوى امتداد لسلطة الأحزاب المحافظة والطائفية والدينية في العراق، وهذا ما تجلى في تجربة السنوات الأخيرة، حيث لم تبد البرلمانيات أي استقلالية ولم تنجحن في تمرير أي قانون يمثل مصلحة العراقيات. لا، بل كن شاهدات زور على قوانين مجحفة بحق النساء، كان آخرها قانون الأحوال الشخصية الجعفري الذي يشرع زواج الصغيرات..
في الظاهر، تبدو العملية الانتخابية فيها نفحة ديمقراطية، ورغبة ربما في الخروج عن سيطرة الأحزاب الدينية والطائفية، لكن ورغم مساحات التفاؤل فإن المخاوف من أن تبقى البرلمانيات العراقيات مجرد صدى لأحزاب دينية طائفية هي مخاوف جدية..
عسى أن تفاجئنا العراقيات بخيارات مدنية أكبر..
(الشرق الأوسط)