نشرت «الشرق الأوسط» أمس مقالة للكاتب والصديق عبد الله بن بجاد العتيبي، بعنوان: «مع حازم صاغية.. الفوضى دين المرحلة»، تستحق التأمل والنقاش.
عبد الله ساجل فكرة الكاتب اللبناني المعروف الأستاذ حازم صاغية، التي تقوم على مصادرة حاسمة خلاصتها أن الديمقراطية في العالم العربي هي الحل، وهي صالحة الآن للشغل والفعل، لولا ولولا.. وأنه كان بالإمكان في موسم الربيع العربي، المغدور، أن تصل ركاب العرب إلى مياه الديمقراطية، بعد السرى والمسير، لولا الغلطات والهنات هنا وهناك، لتكون النتيجة، التي لا يحبها أنصار الغد الديمقراطي، هي أن تبرك جمال العرب على أعطان الاستقرار، ويصبح هذا الاستقرار هو «دين المرحلة».
بينما مجادلة عبد الله بن بجاد، في خلاصاتها المناقضة لخلاصات حازم، تقوم على أن الاستقرار بحد ذاته مطلوب، وهو غاية السير والسرى، وليس ديمقراطية لا يعرف دعاتها كنهها ولا تكييفها، وهل تفصل على جبة الشيخ أو زي العسكري أو بدلة الأفندي أو «تي شيرت» الشاب الناشط.
يقول عبد الله في مقالته: «لا أدري حقا لماذا يغمز الأستاذ حازم من مفهوم مهم كمفهوم الاستقرار، وهو من أوائل من ينبغي أن يعرف أهمية استقرار الدولة لبناء التنمية وصناعة التحضر». الاستقرار ليس كله مذموما لدى الأستاذ حازم، فهو في مقام ممدوح، وفي مقام مذموم، وهذا ما يثير استغراب الناقد، إذ يقول: «ليس (حازم) ضد كل استقرار، فهو في مطلع المقال تمنى لو أن (ثورات الربيع العربي.. رست على استقرار ما)، وهي قد رست بالفعل على استقرار معيق ومخيف، ألا وهو استقرار الفوضى».
أفكار تلخص أزمة التيار المثالي العلماني العربي، هم يريدون ثورة على طراز الثورة الفرنسية، توصل إلى نفس مآلاتها، وتنتج ذات هياكلها وإنسانها، بينما الحال غير الحال، والناس غير الناس، والأحلام غير الأحلام. يريدون ثورة تزيل السلطات القائمة، لكن لا يريدون أن يظفر بالسلطة الجماعات الإسلامية، ولا جنرالات الجيش أو المحسوبون عليهم! وطبعا لا يريدون الصيغ الوراثية القديمة والرجعية.
حسنا، هل نستورد ديفيد كاميرون مع برلمان ويستمنستر لديار العرب؟! هذا هو الموجود، والجود من الموجود، والمشكلة ليست في وجود أو عدم وجود الديمقراطية على الطريقة الإسكندنافية، بل هي في صلاحية نظام الحكم للحكم، ومدى تمتعه بالشرعية داخل نفوس الناس، والناس في هذه الديار يهمهم توفر الأمن والعدل والرزق، فحسب.. لا يهمهم كيف أتيت للحكم، بل يهمهم ماذا تفعل لهم في الحكم. الديمقراطية ليست من همومهم. هؤلاء هم الناس الذين نعيش بينهم ونحن منهم وفيهم، سعدهم ونحسهم لنا وعلينا.
«فورين بوليسي» علقت من قبل على مجريات الربيع العربي بأن نظريات العلوم السياسية وقفت عاجزة أمامه. وسبب العجز أن القوم يرغبون أن تتغير المجتمعات العربية حتى تستطيع نظاراتهم الرؤية، لكنهم غير مستعدين لتغيير النظارات نفسها! نعم. الأمن والأمان، أولا.
(الشرق الأوسط)