عدة سنوات وعشرات الملايين أنفقتها هيئة الطاقة الذرية في دراسة موقع العقبة كموقع مناسب لإقامة المفاعل النووي المشؤوم لتكتشف بعدها أن المكان المقترح غير ملائم، وتبدأ رحلة التنقل الحالم للمفاعل عرضا وطولا في أراضي المملكة.
كل ذلك الجهد والمال كان يمكن الاستغناء عن بذله لو تواضعت الهيئة واخذت في الاعتبار ما صرح به المهندس كمال جريسات الرئيس السابق لسلطة المصادر الطبيعية والخبير في الخرائط الزلزالية للمملكة قبل أن تبدأ الهيئة بدراساتها، حيث أكد عدم مناسبة موقع العقبة، بعيدا عن رأيه الشخصي بجدوى أو عدم جدوى المشروع.
تذكرت هذه المقدمة وأنا أقرأ تقرير لجنة تقييم التخاصية التي بدأت أعمالها في شهر آذار من العام 2013 أي بعد خمسة أشهر من صدور كتاب التكليف السامي للحكومة بتشكيل تلك اللجنة بتاريخ 12/10/2012.
لا ندري ما هي الظروف التي تطلبت هذا التأخير في التشكيل ولا ندري كم بلغت تكاليف الدراسات التي قامت بها اللجنة طوال عام من التحري والدراسة لكنها بكل الأحوال لا تشكل رقما يذكر إذا ما قورنت بما تكبدناه من خسائر في مجمل عمليات الخصخصة، حيث أشار التقرير إلى إيجابيات وسلبيات كل عملية على حدة والتزم في ذلك أعلى درجات المهنية والشفافية ولم يبق أمامنا سوى انتظار ما ستفيد منه دائرة مكافحة الفساد والجهات التشريعية وعلى محورين أشار لهما التقرير أولهما محاسبة الذين يثبت تورطهم في قضايا فساد شابت بعض عمليات الخصخصة والثاني سد الثغرات القانونية والإدارية وتطوير الأنظمة نحو تحقيق الحوكمة الرشيدة في إدارة المال العام وحماية مقدرات الوطن مستقبلا.
أما ما يتعلق بالتوصيات التي وردت في نهاية التقرير فمعظمها لا يشكل سوى إعادة تعريف المعروف، وما كان لهذا الجهد أن يذهب في اتجاه التعريف بحقائق بديهية كأن يقال بأهمية الشفافية في إجراءات الخصخصة وهو ما سبق أن كتبته على صفحتي في الفيسبوك قبل اكثر من عام وأنا لست خبيرا ولا باحثا اقتصاديا، أما التوصية بضرورة الإلتزام بأحكام الدستور نصا وروحا فلا أدري إن كان مسموحا قبل صدور تقرير اللجنة بتجاوز سيد القوانين وأعلاها ! ألم يكن بالإمكان استخلاص هذه الفكرة دون مرمطة ولجان والاكتفاء برأي أي طالب في أحد الصفوف الإبتدائية، أما القول بأن مكافحة الفساد تتطلب محاسبة الفاسدين فلا أجد ما يمكن التعليق به على هذا الاكتشاف العظيم!
وفي المجال التنفيذي لم تأت بعض التوصيات بجديد كأن يقال بضرورة طرح العطاءات عن طريق التنافس العادل واعتماد آلية التنافس في تجديد العقود المرتبطة بفترة زمنية، وضرورة متابعة مدى تنفيذ الشركات لالتزاماتها بعد الخصخصة. وأما الطامة الكبرى فهي في عودتنا إلى عصر ما قبل تكوين الدول ! بالتوصية بوضع معايير لتشكيل اللجان الفنية والمالية والقانونية المناط بها دراسة العطاءات وإحالتها ووضع معايير لاختيار ممثلي الحكومة في مجالس إدارات الشركات المملوكة بالكامل أو جزئيا من قبل الحكومة ومراقبة أدائهم، وهنا يفتح باب آخر للنواب المحترمين وللأحزاب لسؤال الحكومة عن أسماء ومؤهلات ممثلي الحكومة الحاليين في شركاتها.
mustafawaked@hotmail.com