ما أن يترك المسئول الأردني المنصب الحكومي مكرها، فانه يعكف على قضاء وقت فراغه بين أمرين لا ثالث لهما.
الأول ترؤس جاهات الخطبة والمصاهرة بين أفراد المجتمع، وهذا مرتبط بدرجة كبيرة بالبقاء على اتصال دائم مع نخبة مختارة من القواعد الشعبية.
أما الثاني فهو تلبية الدعوات لإلقاء المحاضرات عن الرؤية الشخصية لذلك المسئول لما يدور من أحداث على الساحة المحلية، مستعرضا ما كان من تجربة وخبرة أثناء فترة توليه للمنصب.
هذه في الحقيقة عقدة النقص لدى المسئول الأردني الذي يحب لا بل يرى انه من الواجب عليه أن يبقى في الواجهة حتى لو بلغ من الكبر عتيا ولم يعد قادرا على قضاء حاجاته الشخصية إلا بمساعدة صديق!!!.
باعتقادي أن اكبر تحد وأعظم خطر يواجهه الأردنيون، هي تلك الحفنة من المسئولين التي جثمت على صدورهم ردحا من الزمن ولم تقدم شيئا تذكره لها، باستثناء تلك المآسي والكوارث التي خلفتها رؤيتهم الثاقبة ورأيهم السديد عندما كانوا في سدة المسئولية، وأصبحنا نراهم اليوم يتصدرون المنابر متحدثين عن المعضلات والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الأردن والأردنيين.
فليسمح لنا هؤلاء البررة على الأقل بالصراخ طالما نحن غير قادرين على التغيير، ولن نكون لان العيب فينا، وهذه معضلة كبرى يعاني منها المواطن الأردني على وجه الخصوص، فمهما تحدثنا فان منظومة القيم لدينا تبقى مجرد شعارات نرفعها في المناسبات وتذوب مع أول دورة انتخابات لتعود نفس الوجوه والنخب بسياسات العن من سابقتها.
أما بخصوص التحديات والصعوبات التي تتشدقون بها، فانتم يا سادة من أسس لوجودها، حتى أصبحت الدهماء التي تهدد الوطن ككيان قائم والأردنيين كهوية مهددة بالزوال والانقراض.
أليست معضلة يا أصحاب الذوات، أن نخصص الاقتصاد – ولا أقول نخصخصه فالفرق بينهما شاسع البون- لمصلحة أشخاص بعينهم، ثم نتباكى بعد ذلك على مقدرات الوطن، متسائلين كيف ارتفعت المديونية، وبلغت مستويات قياسية يصعب معها مجرد التكهن كيف سيكون عليه الحال بعدة عدة شهور وليس عدة سنوات.
أليس انتم من تباكيتم وما زلتم على المواطن - باعتباره خطا احمر - من على المنابر جهارا نهارا، وترسمون سياسات رفع الضرائب والتجويع والتركيع تحت جنح الظلام؟ أليس انتم من تفاخرون بالأمن والأمان، في الوقت الذي تضربون فيه تحت الحزام؟ أليس انتم من فتحتم حدود الوطن على اتساعها، ثم تباكيتم على الاقتصاد والمياه والصحة والتعليم؟
أليس انتم من نشرتم أرقاما مضللة عن البطالة في الوقت الذي عجزت فيه الدولة عن توفير وظائف لمواطنيها بقدر سعيها لأبناء لتفصيل المناصب مسئوليها؟
أليس انتم من ساعدتم التجار والصناعيين على إحلال العمالة الوافدة واللاجئة محل المواطن في شتى مرافق الاقتصاد، بحجة المهارة والعمالة النادرة وجذب الاستثمار، ولم يبق إلا أن تشكل الحكومات من الوافدين واللاجئين؟
أليس انتم من انحدرت في عهدكم منظومة العلم والتعلم بكافة مراحلها وأصبحت تجارة رائجة بفضل سياساتكم الجائرة وتهميشكم للمعلم والزج به في السجون لمجرد تأديبه لطالب بحاجة للتأديب؟ ولن أتحدث عن المهازل والمآسي في القطاع الصحي وما يحدث للأطباء والممرضين ومنهم ومعهم.
أليس انتم من كنتم سببا في انتشار العنف المجتمعي والجامعي وأبقيتم أجهزتنا الأمنية في حالة استنفار دائم لفض النزاعات وتقاعستم عن فرض هيبة الدولة بحثا عن فرض هيبتكم؟؟؟
أليس ثم أليس...، ماذا سنعدد لكم من خطايا ارتكبتموها في حق الوطن والمواطن، والمشكلة أنكم تقسمون على كتاب الله ذلك اليمين الذي ستسألون عنه يوم الدين وكيف حنثتم به على إصرار.
لأول مرة في تاريخ البشرية يكون هناك فعل وفاعله مبني للمجهول، وأنا أشير هنا إلى منظومة الفساد المنتشرة في كافة مفاصل الدولة، فاعترفتم بالفساد وأنكرتم الفاسدين!!!
لن أتحدث عن منظومة النزاهة والشفافية التي تدّعون، فهذه لوحدها كافية لوضعكم خلف القضبان لما بقي لكم من حياة، ولكنني أطلقها صرخة بوجوهكم، كفى ضحكا علينا فلم يعد لنا طاقة حتى على سماعكم...وللحديث بقية.