مناطق آمنة داخل الحدود السورية لاستقبال اللاجئين؛ هذا ما طالب به وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، رشيد درباس، في اجتماع اقليمي عقد هنا في عمان حول قضية اللاجئين، وصرح به لـ"الغد"، قائلا إن الأمم المتحدة ترفض حتى وجود مخيمات على المناطق الحدودية، وتريدها بعمق لا يقل عن ثلاثين كيلومترا داخل حدود البلد المضيف.
طبعا، الأمم المتحدة تفضل تأمين اللاجئين داخل بلد مجاور، يتحمل كل المسؤوليات. فتوفير الحماية الأمنية لمخيمات داخل الحدود السورية في وجه جميع أطراف الحرب، قد يكلف وحده مليارات الدولارات، بينما يعفي البلد المضيف الأمم المتحدة كليا من هذه المسؤولية. كذلك، فإن "المضيف" يتحمل أخلاقيا كل مسؤولية أخرى إزاء أي تقصير في التمويل، كما يتم أيضا تحميل سوق العمل المحلية عبء العمالة الجديدة التي لو تقرر خلق وظائف جديدة لها لاحتاجت إلى استثمارات بمليارات الدولارات.
إنشاء مخيمات لاجئين داخل سورية، يُحمل الأمم المتحدة كلفة أكبر بما لا يقاس. والأردن داخل حدوده يستخدم البنية التحتية لجيشه وشرطته، لكن داخل سورية، على الأمم المتحدة أن تطلب للقبعات الزرقاء وحدات أردنية، ومن دول أخرى، مدفوعة الكلفة بالكامل؛ مع البنية التحتية والتسليح، كما تفعل قوات حفظ السلام في نزاعات أخرى. إذن، من المفهوم لماذا لا تريد الأمم المتحدة المخيمات داخل سورية، ولا حتى على الحدود.
وقد طرحت شخصيا اقتراح المخيمات الآمنة داخل الحدود السورية، في أول جلسة مناقشة عامة للموضوع في مجلس النواب. لكن تلك الجلسة شهدت فيضا من الخطابات الصاخبة والناقدة والشاكية، هكذا من دون أن تقدم مقترحا واحدا لمواجهة المشكلة. والحكومة تجاهلت اقتراحي، ولم تعلق عليه بكلمة واحدة. وقبل فترة، قرأت لرئيس الوزراء الأسبق د. معروف البخيت دعوة شبيهة، لم تلق صدى.
كان اقتراحنا يُقابل سابقا بالتحفظ، بسبب الخلط بينه وبين فكرة مناطق الحظر الجوي التي كان يُقصد بها حماية مناطق المعارضة من هجمات الطيران والجيش السوري. لكن اقتراحنا محايد تماما سياسيا؛ فهو يفرض منطقة محظورة عسكريا على جميع الأطراف المتحاربة، وتسمح فقط بوجود المدنيين العزل تحت حماية الأمم المتحدة. وهي لن تكون مسلوخة عن جسم الدولة ومؤسساتها التي تبقى تعمل وتساهم في تقديم خدماتها بدعم من الأمم المتحدة والهيئات الإنسانية، وبصورة أفضل كثيرا من السابق بفضل الأمن المتوفر. ويمكن أن يتم التحييد العسكري لمناطق المخيمات بقبول الأطراف المتحاربة، ومن يتحدى حظر السلاح يواجه بالردع العسكري الحازم.
والآن، حين يقترح لبنان هذا، فلأنه يعي أي مشكلة ديمغرافية وأمنية خطيرة سيواجه مع مليون ومائتي ألف لاجئ قابلين للزيادة، مقابل عدد سكانه الذي لا يزيد عن أربعة ملايين نسمة. أما نحن، فننام على حرير الاهتمام الدولي والمساعدات الطارئة. لكن عندما تزحف قوات "داعش" و"جبهة النصرة" إلى الجنوب ودرعا، حيث يمكن أن ينتقل ثقل المعركة الرئيسة، فإننا سنعض الأصابع ندما لعدم استباق الأمر بمنطقة عازلة تحت مسؤولية دولية؛ تمنع امتداد النار، وتمنع تدفق مليون لاجئ جديد إلينا.
(الغد)