«الطريق إلى القدس» .. دور محوري للأردن
بلال حسن التل
27-04-2014 01:28 AM
تنطلق يوم غدٍ الاثنين، تحت الرعاية الملكية السامية أعمال المؤتمر الدولي الأول حول القدس، الذي تنظمه لجنة فلسطين النيابية، وجامعة العلوم الإسلامية العالمية بعنوان «الطريق إلى القدس»؛ وينعقد هذا المؤتمر في إطار جهود الأردن المتواصلة لخدمة مدينة القدس، وحماية مقدساتها في مواجهة الجهود الحثيثة واليومية التي يبذلها العدو لتهويد القدس. وهي المهمة التي يتوجب على الأمة كلها مساندة الأردن لتمكينه من عبء القيام بها. فالقدس هي قبلة الأمة كلها -عربها وعجمها، مسلميها ومسيحييها، ومقدساتها هي مقدساتهم كلهم–والقدس هي جوهر الصراع الدائر في منطقتنا وعنوانه.
هكذا كانت بالأمس، وهكذا هي اليوم. فمثلما اجتاح غزاة الأمس بلادنا بحجة تحرير القبر المقدس، يحتل الغزاة اليوم بلادنا بحجة بناء هيكل سليمان.. وفي الاحتلالين كانت القدس هي العنوان، وكما في الاحتلال الأول كان تحرير القدس عنوان استرداد الأمة لكرامتها سيكون الأمر في هذا الاحتلال الذي تئن تحته القدس بكل ما تمثله للأمة (دينًا وحضارة، وتاريخًا، ووجودًا).
بهذا الفهم لمكانة القدس وأهميتها، يمكننا في الأردن أن نؤسس لدور أردني مميز، وقيادي، ومحوري في تحديد مسارات العمل المشترك للأمة. وأول ذلك تهيئة المجتمع الأردني للنهوض بأعباء قضية القدس، ومن ثم إعادة قضية القدس إلى مكانها الطبيعي في الصراع مع العدو الإسرائيلي، الذي يُصرُّ على بقاء القدس موحدة وعاصمة أبدية لكيانه مما يؤكد مركزية القدس في الصراع.
إعادة القدس إلى موقعها الحقيقي من الصراع الدائر في المنطقة في وجداننا، هو في اعتقادنا أول معالم الطريق إلى القدس. مثلما كان تأجيل قضيتها إلى ما يسمى بالمرحلة النهائية، أول الخروج عن الطريق المؤدي إلى القدس، الذي لا بد من ان نعود إليه. وهو كما نظن طريق طويل يحتاج إلى مؤونة كبيرة تعين السائرين عليه للوصول إلى هدفهم، وهو تحديد مصير الأمة عبر إنقاذها مما هي فيه. فالقدس ليست مدينة ككل المدن، فقد كانت القدس وما زالت مقياس وجودنا الحضاري.. فما من مرة سقطت هذه المدينة بأيدي المحتل والغازي، إلا وكانت أمتنا في أقصى حالات ذُلها وهوانها على الناس؛ وما من مرة عادت فيها القدس إلى حضن أمتها، إلا وكان ذلك دليلاً على أن هذه الأمة قد استردت عافيتها وثأرت لكرامتها.
وفي كل مرة كان استرداد القدس، لا يتم إلا من خلال نهوض شامل للأمة، يقوده العلماء والمفكرون، وفي ركابهم يسير العسكر والساسة.. العلماء يربون الجيل ويحشدون الطاقات، ويؤشرون على معالم الطريق إلى القدس، والساسة والعسكر يسيرون على هذا الطريق، ليصل الجميع إلى الهدف، وهو تحرير الأمة، وتحرير القدس ذروته، ومن لا يصدق، فليقرأ بإنعامٍ فترة الحروب الصليبية ليجد أننا نعيشها من جديد.. حذوك النعل بالنعل. فقد كان لكل مدينة من مدن الأمة دولة وعَلَم. وكانت كل واحدة من دول المدن تكيد لأختها. وكان الكل يتسابق للتطبيع مع المحتل ولنيل رضى الغاصب، والتحالف معه.
وقد ظل الأمر كذلك حتى أخذ العلماء، والمفكرون زمام المبادرة، ورسموا معالم الطريق إلى القدس، فعملوا على بناء جيل جديد لا يعترف بالهزيمة، ويأخذ للنصر أسبابه، حتى إذا ما التقت إرادة العالم والحاكم بنى نور الدين «منبره» الذي ظل يشحذ همم الجيوش من معركة إلى معركة قرابة عقدين من الزمن، دخل بعدهما صلاح الدين بالمنبر إلى القدس، ليعلن أن الأمة ثأرت لكرامتها، واستردت القدس عنوان هذه الكرامة، وخرج الفرنجة من بلادنا يجرون أذيال الخيبة، ومع خروجهم بدأت دورة جديدة من دورات التاريخ، وقفت فيها جيوش المسلمين على أسوار ڤينّا في قلب أوروبا، القارة التي طالما صدّرت إلينا الغزاة وأمدتهم بأسباب الحياة.
«الطريق إلى القدس» عنوان كبير، يعني أن نعيد القدس إلى مكانتها في عقولنا ووجداننا، ومن ثم تحولها إلى هم يومي يعيشه كل واحد منا، ليحرك هذا الهم «همته» للعمل من أجل القدس.. فما تحتاجه القدس كثير وكثير جدًا، أبسطه ان نتذكرها صبح مساء، وأن نعمل من أجلها آناء الليل وأطراف النهار، وأول ذلك أن نقيم الوقفيات التي تعين أهلها على الصمود بها، وتحفظ عقاراتها من التهويد، وأعظمه ان نسهم جميعًا في بناء حالة النهوض الحضاري للأمة، الذي يكون تحرير القدس عنوانه. وبين أبسط ما تحتاجه القدس، وأعظمه لا بد من أن نعيد القدس إلى مكانها على خارطة الصراع باعتبارها جوهره وعنوانه، وهذا يعني ان نكون صنّاع الفعل لا ردة الفعل، وهذا يعني أيضًا أن لا نساوم على القدس أو أن نجزئها إلى شرقية ندافع عنها، وغربية نفرّط بها.
فالقدس كل القدس محتلة، والقدس كل القدس وما حولها من بلاد الشام مباركة ومقدسة، وعلينا أن نحافظ على قدسيتها بالعمل على تحريرها.. وقبل ذلك الحفاظ على مقدساتها، وهو ما يبذل في سبيله الأردن الكثير من الجهد، الذي يحتاج إلى ان تقف الأمة كلها من خلفه مساندة وداعمة.
فحوْل القدس يمكن تشكيل أول إجماع للأمة. وبذلك نستعيد دورًا هامًا من أدوار القدس باعتبارها المدينة الموّحدة للأمة، ليس على اختلاف مذاهبها فقط، بل وعلى اختلاف أديانها وأعراقها. فهل تفعلها الأمة وتتوحد من أجل القدس، وفي الطريق إلى القدس؟.
(الرأي)