رأي في حديث السفير الروسي باريس بالوتين
د.حسام العتوم
26-04-2014 12:42 PM
في الساعة السابعة وعشرون دقيقة من مساء يوم الثلاثاء المنصرم 22 نيسان الجاري تشرفت إلى جانب عدد من زملاء مهنة الصحافة والإعلام الذين مثلوا شرائح من الإعلام الرسمي والخاص الأردني بتلبية دعوة السفير الروسي الجديد بعمان باريس بالوتين للاستماع إليه ومحاورته في الشؤون الروسية والأردنية والأوكرانية والسورية والفلسطينية في جو دافئ حميمي وضمن الوقت المحدود لمتاح فكان التالي بعد مشاهدتنا لمعرض صور يربط بين نازية الحرب العالمية الثانية وبين التيار البنديري الجديد الصاعد للسلطة في كييف مع السماح لنفسي بالتعليق اللاحق، وبالمناسبة السفير باريس سبق له وأن خدم بلاده والعلاقات مع العرب في الجزائر برتبة سكرتير ثاني وفي لبنان والمغرب برتبة سفير ويتقن العربية رغم اعترافه بصعوبة الحديث بها إلى جانب الفرنسية والإنجليزية.
في شأن العلاقات الروسية الأردنية أشاد السفير باللقاء الناجح الذي جمع الرئيس بوتين بسيدنا جلالة الملك عبد الله الثاني في موسكو 9/ نيسان من هذا العام وبتقدير جلالته على دوره المهم والملاحظ في المساهمة في إيجاد حل سلمي لقضايا الشرق الأوسط المعقدة، وبالتعاون الاقتصادي مع الأردن في مجال الطاقة النووية، والثقافي في مجال توسيع المنح الدراسية إلى 44 منحة، وبتطابق وجهات النظر في الشأن السوري بالارتكاز على معاهدة جنيف 1 و 2، وكذلك الأمر في الشأن الفلسطيني في الوصول إلى حلول تأخذ بعين الاعتبار قرارات الشرعية الدولية، وبالتعاون مع الأردن في شأن الدعم المالي والإنساني لمشكلة اللاجئين السوريين بواسطة تقديم 150 طناً مباشرة من المواد الغذائية، و4 مليون دولاراً لتمويل مشاريع إنسانية أخرى في الأردن، و 3.5 مليون دولاراً للمندوب السامي للأمم المتحدة لغاية إسناد اللاجئين السوريين، و 12 مليون دولاراً مساعدات لمدارس المملكة، وهو أمر نقدره عالياً للفدرالية الروسية، وفي الموضوع الأوكراني أوضح السفير بالوتين بأن الأزمة هي داخل أوكرانيا وبين النظام البنديري المتطرف الجديد وبين الشرق والجنوب الروسي الناطق بالروسية وبنسبة عالية بالمقارنة مع الغرب الأوكراني، وبأن ما جرى هو احتجاج شعبي ساندته روسيا لإصلاح الدستور والمحافظة على وحدة الأراضي الأوكرانية في ظل إدارة لا مركزية وحل سلمي للأزمة، والمحافظة على حضور اللغة الروسية إلى جانب الأوكرانية ومنع انتشار التطرف خاصة المسلح منه، وواصل قوله حول تدخل الغرب وأمريكا بالأزمة بشكل غير مفهوم، وبأن لا علاقة بين ما جرى ويجري في أوكرانيا وبين الحدث السوري وحملة إعلامية شرسة ضد روسيا مصدرها الغرب عن طريق اتهام روسيا بالتدخل في الشأن الأوكراني، وتصوير الإرهاب على أنه يكمن في الشرق الأوكراني بينما الديمقراطية تعيش في غربها، وأكد السفير بالوتين على أن الطرفين الروسي والأمريكي اتفقا مؤخراً في جنيف على حل الأزمة الأوكرانية التي تشكل امتحاناً للعلاقات الدولية الواجب أن تبقى محايدة ومتوازنة، واستغرب بنفس الوقت من الأكاذيب التي تطلق حول توسع حلف الأطلسي الناتو تجاه الشرق بأنه لا يستهدف روسيا وكذلك الأمر بالنسبة لشبكة الصواريخ، وفيما يتعلق بإقليم القرم (الكريم) الذي أصبح روسيا الآن تحدث عن ارتكاز موسكو على أهمية الاستفتاء الشعبي الذي جرى هناك وبنسبة مئوية عالية تصل إلى 94% لصالح الانضمام لروسيا إلى جانب الأهمية البالغة للأسطول الروسي الذي لن تقبل روسيا أن يحل محله الأسطول الأطلسي تحت أي ظرف كان، وهنا أتمنى على روسيا وعلى أوكرانيا تفهم عمق العلاقات التاريخية بينها وعدم قياسها بمصالح اقتصادية مع أي جهة ثانية أو ثالثة، وستبقى روسيا البيت الدافئ لأوكرانيا ليس على مستوى الحاجة للغاز فقط، ولن تستطيع أوكرانيا التجديف بعيداً عنها مهما ارتفع منسوب الإغراءات الغربية أو الأمريكية لها، والتوازن والعقلانية في السياسة وليس الهيجان أمر مطلوب وعمل استراتيجي هام.
على صعيد الأزمة السورية وحدثها قال السفير باريس بالوتين بأن بلاده روسيا تقف مع الحل السلمي والحوار بين النظام والمعارضة المحتاجة لأن توحد صفوفها في الداخل ومع الخارج، واستغرب وجود اقتتال داخلي على الأرض السورية تقوده تنظيمات مسلحة تمثل 80 دولة عالمية، وأشاد سعادته في المقابل بتطابق وجهات النظر بين روسيا والأردن حولها وعلى ضرورة مواصلة مؤتمر جنيف الثاني بعد تخليص سوريا من ترسانتها الكيماوية العسكرية وبعد التخلص حتى الآن من 2/3 من نسبتها المئوية، وتعليقي هنا هو بأن سعادته لم يفسر لنا الأسباب الحقيقية الميدانية التي دفعت إلى الاقتتال في سوريا، وكيف ومن أدخل تنظيم القاعدة الإرهابي وفصائله الجرارة إلى الداخل السوري، وكيف تصرف النظام السوري في المقابل عندما تآزر مع إيران وفيلق القدس وحزب الله ولماذا؟ وكيف بالإمكان إنقاذ سوريا الآن من الاقتتال أولاً ومن كارثة التقسيم ثانيةً وهو الذي ترفضه روسيا وتدعو حيث نعرف إلى الخروج من الأزمة السورية برمتها إلى بر الأمان عبر صناديق الاقتراع في شهر حزيران القادم والتي أستغرب انعقادها بنفس الوقت تحت لهيب نار الاقتتال والقتل والتشرد وتدمير المدن والقرى وانتشار الغضب من تغليب الحلول الأمنية والعسكرية على السياسية، كما أنني كما غيري من العرب أستبعد إجراء انتخابات نزيهة في بلد عربي شقيق مثل سوريا تعودت أنظمته الانقلابية عبر التاريخ المعاصرة على تزويرها ورفع نسبتها إلى 99% وتضييق الخناق على بروز مرشحين توافقيين أقوياء، فكيف ستنقذ مثل هكذا ديمقراطية سوريا الوطن من العنف والدمار والاقتتال والتشرد المستمر؟ ثم ألا يجوز الاعتقاد بأن الفيتو الروسي هنا شكل صفارة إنذار للتدخلات الأمريكية والغربية في الشأن العربي ومنه السوري بعد العراق وليبيا الأمر الذي تقرر فيه في كواليس الظلام نقل محطة الربيع إلى أوكرانيا ومعاقبة روسيا هناك؟
في الشأن الفلسطيني تحدث سعادة السفير الروسي بالوتين عن تطابق وجهات النظر الروسية والأردنية مجدداً على ضرورة مضاعفة الجهود من أجل إيجاد حل عادل للقضية هذه بالارتكاز على قرارات الشرعية الدولية (242 / 194)، وتعليقي هنا مجدداً هو أن إسرائيل المحتلة للأراضي الفلسطينية والمتحالفة مع دولة مثل أمريكا العظمى تناسب تطلعاتها والولاء لها ولا تطالبها بالانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران ولا بإقامة دولة جادة موحدة للفلسطينيين وعاصمتها القدس الشريف، ولا تضغط عليها بقبول حق العودة والتعويض أو بإيقاف بناء المستوطنات وإخلاء المبني والمنتشر منها كما الخلايا السرطانية أو حتى بإغلاق سجونها بعد تحرير كافة الأسرى من أبناء فلسطين، ولا بالتوقف عن تهويد فلسطين التاريخية 1948 لا تقبل أي دور جاد لروسيا ولا لأي من دول مجلس الأمن دائمة العضوية مثل الصين وإنجلترا وفرنسا، وتصر أي إسرائيل على ترحيل وإماتت القضية الفلسطينية عبر وأمام الأجيال المتتابعة، وها هي أي إسرائيل أوقفت المفاوضات مع الفلسطينيين لمجرد إعلان إنهاء القسمة بين سلطتي فتح في رام الله وحماس في غزة، أفما آن الأوان لمجلس الأمن الآن أن يشكل لنفسه هيبة ووقار وسلطة جديدة تجبر إسرائيل ولا تقنعها فقط لخلع ثوب الاحتلال وتثبيت حدودها في إطار عام 1948 فقط؟ ومن دون تضييق للخناق على العرب أصحاب التاريخ والجغرافيا والحق والسيادة وليعم السلام بعد ذلك العادل والشامل منطقة الشرق الأوسط كافة.