تشي التطورات الأخيرة المتسارعة بأنّ الحكومة جادّة في إنهاء قضية اختطاف السفير فوّاز العيطان، خلال الساعات القريبة. وهي تحيط نقاشها مع الحكومة الليبية، التي تتوسّط مع الخاطفين، بسريّة تامة، يشي بها التصريح المقتضب الذي أطلقته الناطق باسم وزارة الخارجية صباح الرافعي أمس، بقولها: "إن أي معلومات بخصوص قضية اختطاف السفير العيطان سيتم الإعلان عنها بحسب مقتضى الحال، وبما لا يؤثر على الاتصالات الجارية بشأن هذه القضية".
نفهم من تصريح الرافعي أنّ هناك، فعلاً، اتصالات جارية، وقد تكون في التفاصيل النهائية، وتتعلّق بالصورة التي سيتم بها إخراج الصفقة مع الحكومة الليبية، بخاصة أنّ أي تسريب للمعلومات، في هذه اللحظة، سيؤثّر سلباً على موقف الحكومة الأردنية وخياراتها مع الخاطفين؛ وهي خيارات محدودة ضيّقة، كما هو معروف.
منذ البداية، وضعت قضية اختطاف العيطان "مطبخ القرار" في معضلة حقيقية بين خيارين: الأول، هو سلامة السفير وحمايته؛ والثاني، هيبة الدولة وعدم تسجيل "سابقة" بالتفاوض مع الخاطفين، بخاصة إن كانوا فعلاً ممن يتبنون خطّ "القاعدة"، برغم أنّ الدولة عقدت تاريخياً صفقات لحماية مصالح الأردن وتبادل الأشخاص، لكن مع دول وليس مع منظمات إرهابية، وبشأن غير محكومين بأحكام قطعية (في حدود اطلاعي وسؤالي للأصدقاء القانونيين المتخصصين)، في سياق أزمات معينة تاريخية.
مع مرور الوقت، بدأت رهانات الحكومة تضيق في محاولة الإفراج عن العيطان من دون تقديم تنازلات كبيرة، أو الرضوخ لمطالب الخاطفين. وهو ما قد يعرّض سلامة السفير للخطر، في دولة تغرق في الفوضى، حتى أنّ رئيس وزرائها نفسه يتم اختطافه؛ فلا توجد ضمانات للإبقاء على سلامة السفير العيطان، ولا خيار أمام الحكومة سوى الإسراع في محاولة الإفراج عنه.
إذا كان ليس أمام الحكومة الأردنية سوى تبادل العيطان بمحمد الدرسي، فعلى الأغلب أنّها ستحرص أن يكون المخرج من هذه المعضلة عبر الحوار والتفاوض مع الحكومة الليبية، لتسليمه لها، ضمن اتفاقية الرياض للتعاون القضائي، وليس عبر التفاوض المباشر مع الخاطفين أو تسليم الدرسي لهم، في حال وافق الخاطفون على ذلك. وهو مخرج قانوني ليس محبوكاً قانونياً بدرجة كافية، لكنّه يبقى أحد الحلول المحدودة المتاحة أمام الحكومة الأردنية.
الدول العظمى تتفاوض وتدفع أموالاً أيضاً للإفراج عن رعاياها وتأمين سلامتهم. وفي حال لجأت الحكومة الأردنية إلى أحد المخارج القانونية-الدبلوماسية لتأمين حياة السفير العيطان، فإن ذلك يعزز هيبة الدولة بصورة أكبر؛ فلا مبرر للتعنت مع مجموعات غير ملتزمة بأي أعراف قانونية أو سياسية، وليست لديها مشكلة في قتل السفير. إذ إن هيبة الدولة تكمن، أيضاً، في قدرتها على حماية سفرائها في الخارج، وتأمينهم، وعاقبة قتل السفير ستكون أشدّ تأثيراً على الدولة من محاولة استنقاذه بالبحث عن مخارج ممكنة وواقعية.
لا نعلم فيما إذا كانت الصفقة مع الحكومة الليبية قد نضجت تماماً. لكننا بالتأكيد أمام ساعات وربما أيام حاسمة. والأولوية تتمثل في سلامة السفير وتأمين عودته؛ والمحدّد الذي تحرص عليه الحكومة، هو عدم التفاوض المباشر مع الخاطفين. هذه هي قواعد اللعبة والصفقة بوضوح.
(الغد)