ليست الأفقر بين مدن المملكة، ولا الأعلى في معدلات البطالة والجريمة. معان مثل مدن أردنية أخرى كثيرة، ينتشر فيها السلاح والمخدرات أيضا. فيها سلفيون متشددون، بعضهم يحمل السلاح؛ كما تُظهر الصور ومقاطع الفيديو. لكن في الرصيفة وماركا والزرقاء، حضور السلفيين أكبر.
مشاكل التنمية في معان لا تختلف عن سواها، في الطفيلة والكرك والمفرق. وقوات الدرك والأمن هي ذاتها في معان وعمان وإربد؛ نفس القدر من القوة المستخدمة ونفس الأساليب، والمحافظ أو الحاكم الإداري يكون في جرش اليوم وغدا في معان.
تركيبة معان السكانية مثل سائر المدن الأردنية؛ فهي تتقاسم مع الكرك والطفيلة، على سبيل المثال، نفس السمات الاجتماعية والطبقية. والوظائف والمهن التي يشغلها أبناء معان، هي ذاتها التي يعمل فيها آلاف الأردنيين.
ومعان ليست المدينة الحدودية الوحيدة؛ فهناك العقبة جنوبا، والرمثا شمالا، ومع ذلك لا تبدوان بمثل حالة معان.
لماذا، إذن، معان دون غيرها من المدن، تشهد أوضاعا أمنية متوترة على الدوام؟ فلا تكاد أزمة تُطوى، حتى تطل مشكلة أمنية جديدة برأسها.
معان أكثر مدينة تعرضت فيها مؤسسات الدولة للحرق والتخريب؛ وأكثر مدينة سقط فيها قتلى وجرحى من سكانها ومن رجال الأمن في العقدين الأخيرين؛ وأكثر مدينة سُيّرت إليها الحملات الأمنية والعسكرية أحيانا.
تشهد كل المدن الأردنية، باستمرار، حملات مداهمة للقبض على مطلوبين، ونادرا ما تتحول إلى مواجهات أهلية. في معان الوضع مختلف؛ كل عملية أمنية تتحول إلى مواجهة مفتوحة، ويسقط فيها ضحايا في أغلب الأحيان.
منذ هبة نيسان العام 1989 ومعان حاضرة في المشهد الأمني والسياسي. تصدى باحثون كثراً لدراسة الحالة في معان، وصدرت عديد الدراسات التي تحاول تحليل الوضع هناك، تقدم مُعدّوها بأفكار مهمة، واقتراحات عملية لوضع معان على سكة الاستقرار الاقتصادي والأمني. ومن أبناء المدينة برز محللون أكفاء أدلوا بدلوهم. لكن شيئا لم يتغير، بل إن الأوضاع زادت تدهورا.
ينبغي التأكيد، أولا، أن مظاهر التمرد على سلطة القانون وسيادته ظاهرة عامة، لا تخص معان وحدها. ولذلك أسباب طالما تحدث عنها الكثيرون. لكن في معان، تأخذ هذه الظاهرة طابعا استثنائيا حادا. هذه ميزة معان التي لم تخضع للدراسة والتحليل بعد.
لهذا، لا نملك اليوم إجابات حاسمة تفسر ما يدور في معان منذ سنوات. بصراحة أكثر: الدراسات التي أجريت عن واقع المحافظة عموما والمدينة خصوصا، لم تتسم بالجرأة الكافية في تشخيص الواقع.
لقد خلصت معظم تلك الدراسات إلى أن مشكلة معان تنموية بالدرجة الأولى، وكأن مدن المملكة الأخرى تعيش في نعيم اقتصادي. وذهب باحثون آخرون إلى تحميل الأجهزة الأمنية، والوجهاء المرتبطين بتلك الأجهزة، المسؤولية عن كل ما مرت به المدينة من أزمات؛ مع أن مسؤولي الأجهزة في معان هم ذاتهم في المحافظات الأخرى، وصناعة الوجهاء بالطرق التي نعرفها هي السائدة في كل محافظات المملكة، فأين الاختلاف؟!
لا أملك إجابات بديلة، فالمسألة محيرة حقا. ولو كان لدى طرفي القضية؛ الدولة وأهل معان، إجابات شافية، لما استمرت الحال على ما هي عليه في معان.
(الغد)