مثلما تحتاج الشعوب إلى دساتير وتشريعات ومؤسسات فإنها تحتاج أيضاً إلى الرموز والأبطال، فإن لم تجد الشعوب رموزاً في القضايا الكبرى فإن البديل رموز مؤقتة وموسمية في الرياضة والفن والعمل السياسي الإجرائي أو أي مجال، لكن يبقى كل شعب وأمة بحاجة إلى رموز وذوات.
الثورات والحروب تقدم للشعوب رموزاً ليسوا الأكثر كفاءةً في القتال بل الفرسان وأصحاب المواقف، وأحياناً يقدم الرمز أوراق اعتماده للناس بلحظة صدق لا يملكها غيره ممن تخذلهم شجاعتهم أو صدقهم أو القدرة على إدارة اللحظة، وهي لحظة تكون الفيصل بين نصر وهزيمة، أو بين جمود وخذلان.
والرمزية فروسية وليست موقعاً سياسياً أو عسكرياً أو اجتماعياً، والفروسية الصادقة تتقن الشعوب قراءتها من نبرة الصوت ونظرة العيون، والمربع الذي يختار الرمز الوقوف فيه في المراحل غير العادية التي تمر فيها الدولة وناسها.
الناس تحب الأقوياء وأصحاب المواقف لكنها لا تصدق الاستعراض الذي لا يضع رمزية حتى وإن جلب بعض الأنظار.
الناس تحب الرموز، والرمزية حاجة ضرورية لكل شعب، ومؤسف ومؤذي لأي شعب أن تتعرض رموزه للتهميش أو تتعرض لتشويه متعمد أو تحويلها إلى شخصيات خلافية.
الثورات قد تصنع لشعب ما رموزاً، لكن استقرار أي ثورة على بر الأمان يحول الاحياء من الرموز الى مسؤولين لهم حكايات وقصص وربما مسارات فساد، والرموز التي تصنعها الحروب والانتصارات قد تفقد بعض بريقها في أجواء السلام، وبخاصة إذا استبدلت رمزيتها بمكاسب من مسارات غير بريئة.
أكثر الشعوب ضعفاً تلك التي تمارس البكاء على أطلال من كانوا، أو تستعمل أسماء من كانوا رموزاً لشتم أشخاص الواقع وحاملي ألقابه، صحيح أن الرمزية إبداع وليست خط إنتاج غزيراً، لكن لا يجوز لساعة أي شعب أن تتوقف عند من كانوا ورحلوا، وأن نغطي عجزنا بالوقوف على الأطلال، واستعارة ما كان لشتم ما هو موجود.
هذه الأيام نعيش ذكرى رحيل فارس أردني عربي حابس المجالي رحمه الله، فارس أكتشفه بعضنا بعد ما رحل، لكنه من الرجال الذين لهم في رقابنا دين مع كل لحظة أردنية آمنة، ولعل ميزته الرئيسة أنه في المفاصل الصعبة التي مر بها الأردن آمن أن الأردن باق ووقف الموقف الذي تقتضيه هذه القناعة، آمن بالأردن وشعبه وقيادته وقدرتهم على البقاء، بينما كان الشك عقيدة آخرين فمارسوا التردد وخذلوا الأردن وقيادته وشعبه.
في بلادنا رمزية كبرى تمثلها قيادته الهاشمية، وهي المرجع الوطني، لكن ممن تصنع القيادة ثقتها بهم تحتاج إلى رموز في مواقف الصدق وحسن الأداء والنزاهة والعفة.
رموز لا يتحدثون عن أنفسهم ونزاهتهم بل يراها الناس، فكل شيء معلوم، رموز عيونهم على أن لا يضعوا ضعفا في الدولة ومؤسساتها وهيبتها بل ان يأخذوا الدولة إلى الأمام.
وأخيراً فإن إعطاء الفرص لأهل الكفاءة والصدق هو المدخل لإنتاج الرموز وعناوين الصدق.
(الرأي)