ليعذرني النائب المحترم الذي لم أتذكر اسمه، ذلك الذي قدم مداخلة جديرة بالتقدير، خلال مناقشات "النواب" لتعديلات النظام الداخلي للمجلس، فقد انتقد بشدة انشغال العديد من زملائه، بالتعديل المتعلق بكيفية توزيع السفرات على النواب، فيما الشعب الاردني- والكلام له - ينتظر من ممثليه الذين انتخبهم "التركيز على حل مشاكل أكثر أهمية، تتعلق بخبزهم واحتياجاتهم الأساسية"، وأضيف الى ذلك، أن بحث النواب مثل هذا الأمر، يتزامن مع اصطفاف نسبة كبيرة من المواطنين في طوابير طويلة مذلة، أنتجتها آلية تقديم طلبات دعم المحروقات الجديدة المعقدة،هؤلاء يتزاحمون على أبواب الدوائر المعنية، ينتظرون تسلم دعم المحروقات، أو يعترضون على حرمانهم لأسباب غير مقنعة،بعضهم لأنه يمتلك سجلا تجاريا على الورق،أو لديه "دكان" لا تغطي مبيعاته أجرة المحل،وربما مثقل بالديون!
فكيف يمكن أن ينظر المواطن، في ظل أزمة معيشية طاحنة،الى ممثلي الشعب وهم ينشغلون بكيفية توزيع السفرات الى الخارج، بما تجلبه لهم من" مياومات وفرصة للترفيه "! دون تجاهل الفائدة من المشاركة في بعض المؤتمرات والاجتماعات الاقليمية والدولية، لا أعمم في ذلك، فهناك عديد النواب يضعون في مقدمة أولوياتهم خدمة ممثليهم بقدر المستطاع، وفي حدود ما تتيحه علاقته مع السلطة التنفيذية.
كان ضروريا إجراء تعديلات على النظام الداخلي للمجلس، لغايات مأسسة العمل البرلماني، وضبط اجتماعات اللجان وجلسات المجلس، واستثمار الوقت بشكل أفضل خلال مناقشة القوانين والقضايا الرقابية، وتعويض الفراغ الناجم عن غياب العمل الحزبي الفاعل،وعدم وجود كتل برلمانية جدية تؤثر جوهريا في تشكيل الحكومات، وفقا للبرامج وليس الاشخاص.
من يتابع جلسات "النواب"، يشفق على رئيس المجلس المهندس عاطف الطراونة،الذي يجاهد في الحفاظ على اكتمال نصاب الجلسات، ويناشد "فلان وعلان " الذي يهم بالخروج، أن يبقى في الجلسة لكي لا تفقد النصاب وهو " 76" نائبا، وبالمناسبة فإنني أدعو رئيس المجلس، الذي يتميز بتهذيب عال وخلق رفيع،وصبر يحسد عليه في ادارة الجلسات، أن يعفي نفسه من استخدام الألقاب خلال توزيعه لدور الحديث،فهو يحرص على استخدام الألقاب مثل "دولة، معالي، باشا، سعادة، عطوفة وبيك..الخ "، واقترح عليه أن يخاطب الجميع بلقب واحد "السيد أو السيدة " مثل "السيد رئيس الوزراء،السيد وزير كذا، وكذلك النواب، بكلمة زميل وزميلة.
ولعلها مفارقة عجيبة، ان مجلسا نيابيا يتكون من " 150" نائبا، يكون نصاب كثير من الجلسات على الحافة،وعلى سبيل المثال فان العديد من القوانين المهمة تقر بأغلبية" 44 "صوتا من أصل" 80 " حاضرين الجلسة ! ويبدو ان بعض النواب يتواجدون داخل أروقة المجلس خارج القبة خلال الجلسات، فربما يشعرون ان النقاشات في قضية معينة "مملة" لا تعنيهم!
ومن التعديلات "العقابية "الطريفة، التي كانت مطروحة على النظام الداخلي، وأثارت السخرية في أوساط الرأي العام، أن يتم اقتطاع مبلغ"100 " دينار من مكافأة كل نائب، يتغيب عن الجلسة بدون عذر مسبق، أي معاملة المتغيبين مثل"عمال المياومة" ! اذا غاب يوما عن عمله يحسم من أجره ! وهي عقوبة لا شك انها تخدش هيبة مجلس النواب أمام المواطنين ! لكن اللجنة القانونية عادت وشطبت هذا التعديل، بعد اعتراضات شديدة من عديد النواب،ولو بقيت العقوبة فان بعض النواب ستتآكل مكافآتهم البالغة " 3500" دينار شهريا! أو انهم – وهذه مفارقة - سيضطرون لحضور الجلسات للحفاظ على مكافآتهم،دون رغبة حقيقية بالمشاركة الفعلية في العمل البرلماني!
Theban100@gmail.com