الكاتب والكتِّيب والكتاتيب
23-04-2014 12:42 PM
في فضائنا الثقافي والسياسي والاجتماعي الرحب اهتمام واضح وجلي بالشأن العام.. والكل يحاول ان يعبر عن الاهتمام بطريقته الخاصة.. فهناك من يشبعك شعرا وغزلا بواقعنا الذي لا مثيل له.. مستمداً خطابه من اغنية "لفينا العالم لفّينا.. ومثل بلدنا ما لقينا" والتي اكتسبت شهرة قبل قدوم عمر العبداللات وماجد زريقات وظهور الاغنية التي عرفتنا بان "انا امي اردنيه.. شغلتها تربي زلم"..
على الطرف الآخر من يشبعك لطما وندبا ويبكيك في اليوم مرتين الاولى لشعورك بانك لم تولد في القرن الهجري الاول لتسعف الحسن والحسين.. والثانيه لانك مسؤول عن خيبات الامة وكبواتها في نظريات لا تنتهي مستذكرين "بلاد العرب اوطاني.. من الشام لبغداد"، ومستذكرين لهبة المعتصم.. وسيف صدام.. وسواري كسرى.
بين هؤلاء وهؤلاء يقف عشرات صناع الرأي العام.. منهم من يسعى الى التنوير.. ومنهم من يهدف الى التضليل.. وآخرون لا غاية لهم غير التكسب والارضاء والتطبيل والتزمير.
على ساحتنا الثقافية كتاب يحترمون العقل ويخدمون الحق ويتعاطون المنطق.. وفي بلادنا من يعبدون السلطة ويدينون لمالكيها ولا تهمهم الكرامة ولا الضمير وضيفتهم ان ينتجوا ما يخدم المتنفذين في الحفاظ على نفوذهم حتى وان جافت كتاباتهم الحقيقة وشوهتها وظللت الرأي.. فهم عابدون مطيعون يقيسون البعد او القرب عن الاسطر التي تعلموها..
رسالتهم ان يحافظوا على الرضا وتكريس طقوس عبادة اسيادهم.
اما الكتاتيب فيحفظون ما يقال حولهم ويتقيأونه مرة اخرى.. نقل بلا عقل ولا مهارة لديهم الا ان يحفظوا ما لقنوا ويعيدونه كما روي لهم لا زيادة ولا نقصان..
الخصخصة طالت الكتاتيب والكتِّيبة معا فانشأوا لانفسهم منابر تمكنهم من اضافة علامات تجارية لتقاريرهم.. وبيعها في المزاد كاسرين بذلك قواعد الاحتكار التي املتها عليهم دوائر التدريب والاستكتاب.
الخوف ان يلحق الكتاب بالكتيبة.. الذين يتبارون في عائدات استكتابهم وفي استذكار اعداد النوافذ التي مرت منها تقاريرهم.. قبل سنوات قال احد خفيفي الدم من الكتيبة انه كتب ما يزيد على ملء ثلاثة اكياس من اكياس الحنطة التي يعاد استخدامها لتعبئة ونقل وتخزين الاشياء بما فيها الورق بعد ان يفرغ من قراءة ما كتب عليه.. وتعتبر اكثر الاوعية سعة بعد حاويات الخط الاحمر.. ومع ذلك لم تشفع كمية الكتابات هذه له عندما تقرر الاطاحة به.
مجتمعنا يحتاج الى التنوير اكثر من حاجته لاعادة التدوير..الوعي الزائف قد يسهم في تعجيل تدهور الامة ويخلق انطباعا بان الامور تسير في غير الاتجاه الذي هي فيه...
اتمنى ألا تتحول أغنية فيروز "كتبنا وما كتبنا.. ويا خسارة ما كتبنا" الى حكمة نرددها من فرط القنوط....