إذا سلمنا بأن هناك ثلاث شعرات بدءاً من شعرة سيف ديموفليس مرورا بشعرة أفلاطون وأخيراً شعرة معاوية، فان عصرنا قدم شعرة رابعة، لا علاقة بالحساء الذي ان سقطت فيه أفسدته، ولا علاقة لها بدبلوماسية ابن أبي سفيان أوبيضة أفلاطون المشطورة بشعرة الى رجل وامرأة.
انها شعرة الحرية والفوضى، والتجارة والدعارة، والاجتهاد في وجهات النظر حول الأوطان والخيانة.
هذه الشعرة أصبحت مهددة بالحذف بعد أن فرضت علينا الحفلة التنكرية أن نبدل أسماء المهن، وأحياناً دلالات الكلمات، بحيث علينا ان نقبل بأن صفة خبير استراتيجي أو عسكري مطلقة وأن من يحمل هذا اللقب هو العارف الذي لا يُفتى بحضوره حتى لو كان على شاشة خرقاء.
وأحياناً يكون هذا الخبير ضليعاً في فقه الانكسارات والهزائم فقط، لأن سيرته الذاتية هي سلسلة من هذه الانكسارات ولو كان خبيراً ينتظر منه النصح لأعان نفسه أولاً، لان الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.
والخبرة بمعناها الدقيق وليس الفضائي هي نعمة بامتياز فأين هي؟
هذا النمط من الخبراء أشبه بطبيب أجرى خمسين عملية جراحية، نجحت لكن المرضى جميعهم ماتوا تحت التخدير. ولا نظن أن طبيباً كهذا يزهو بتاريخه الجراحي.
لدينا الآن عشرات المهن الجديدة منها الناشط السياسي، وعضو الجمعية غير الحكومية، والاصلاحي والوسيط وأخيراً رجل العلاقات العامة.
هذه الأسماء هي أقنعة لاخفاء حقيقة الادوار التي تمارس باسمها وتحت عناوينها وذرائعها.
أين هي الشعرة الرابعة بين المقاول والمقاوم وبين المفاوض والمقايض؟ وبين السلام المسلح والحرب العزلاء؟
كم كان سهلاً عليناً ان نفهم شعرة أفلاطون التي شطرت البيضة الى نصفين بالتساوي، أو شعرة ديموفليس والسيف المسلط على العنق.
حتى شعرة معاوية لم يكن عسيراً فهمها ما دامت تنتمي الى فلسفة ما يسمى الباب الموارب، المغلق والمفتوح في اللحظة ذاتها.
لكن هذه الشعرة الجديدة التي توهمنا بأن السمسار وسيط ومصلح، والقواد رجل علاقات عامة، والخائن مجتهد يحب وطنه على طريقته والجاهل عالم متواضع يميل الى الصمت لا ندري مم صنعت هذه الشعرة؟
ان للاستخفاف بالعقل حدودا كما أن للصبر أيضاً حدودا، لكن الشيء الوحيد الذي لا حدود له هو هذه الشعرة الرابعة!
(الدستور)