لم يعرفوا أن كل فلسطيني معرض للأسر أو للشهادة، أو للجرح أو التهجير، وهم سمعوا من الأسلاف أن الكف لا "تناطح المخرز"، ولكنهم يريدون قلب تلك الحقيقة، وتسطير حقيقة صنعها شعب يريد أن يقول لكل العالم بأن الكف قد تناطح مخرزا، ولكن الكف التي تصنع ذلك ليست أي كف.
هناك شباب يواجهون محتلا صهيونيا مدججا بالسلاح والعتاد، وقنابل الغاز والرصاص الحي والمطاطي، بأجساد عارية، يدافعون عن وطنهم، يحرسون أرضهم، يرفضون المساومة، يحمون أقصاهم وحرم نبيهم إبراهيم.
هم يقولون: هنا القدس، هنا نابلس، هنا رام الله، هنا غزة، هنا الخليل، وفي الخليل يحيك شبابها منذ أيام حكاية عشق حقيقي للوطن، رغم بطش المحتل وتنكيله، فأولئك يدافعون عن عنب كرومهم، بأجساد عارية، ويقاومون قطعان المستوطنين بالإرادة والتصميم والإيمان بالحق.
أولئك ديدنهم قول شاعرهم: "لا غاصب يطوي دفاتر مجدها يوما ولا يتجاسر الحاخام... فالأرض طهر والسماء قداسة والأهل فيها طيبون كرام... وكرومها تروي ملامح لوحة عجزت عن استنساخها الأفلام".
في الخليل كما في كل مدينة، وقرية، ومخيم فلسطيني، يعيث الصهاينة، جنودا ومستوطنين فسادا، ويقتحمون البيوت اعتقالا لشبانها، وشيبها، وأحيانا لصباياها، وأطفالها، ويقطعون أوصال المدن والقرى بحواجزهم وفوهات بنادقهم.
خلال الأيام الماضية، كثف الصهاينة هجماتهم على الخليل، حماية لمستوطنين يريدون زرع بذور حقدهم في مدينة ترفضهم، وترفض الانحناء لفاشيتهم، وفي كل هجمة يضيف الصهاينة إلى قائمة الأسرى الفلسطينيين أعدادا جديدة من شباب الخليل، كما يضيفون أسرى من مدن وقرى أخرى.
وفي جنح الليل، وكعادة اللصوص، اقتحم الصهاينة بيت الشاب الفلسطيني في حي الجامعة في مدينة الخليل بشار عبدالعليم دعنا (27 عاما)، واعتقلوه إلى جهة غير معلومة.
انضم بشار إلى إخوة له في الأسر الصهيوني من مدن أخرى، فبحسب الإحصاءات الفلسطينية، بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، في آذار (مارس) من العام 2014، ما يناهز 5224 أسيراً، من ضمنهم 183 معتقلا إداريا، و21 أسيرة، و210 أطفال أسرى.
وبحسب نادي الأسير الفلسطيني، فإن محافظة الخليل تعتبر المحافظة الأعلى في نسبة الاعتقال الإداري، حيث وصل عددهم إلى 120 أسيرا إداريا، وعدد منهم يعتبرون الأقدم، فمنهم من تجاوزت مدة اعتقاله أكثر من عامين، بشكل متواصل ومتفرق، من دون أي تهمة.
هم يؤسرون، يقتلون، يهجّرون، من دون أن تتحرك شفاه المجتمع الدولي بكلمة إدانة واحدة، يدنسون الحرم الإبراهيمي يوميا، ويعيثون في "الأقصى"، اقتحاما وتخريبا وهدما وحفرا، من دون أن يتنادى مجلس الأمن للاجتماع، أو أن تتحرك منظومة الجامعة العربية، التي باتت لا تتحرك إلا بطلب غربي.
يضربون عرض الحائط بكل القرارات الدولية، ويرفضون وقف بناء جدارهم العنصري، رغم وجود قرار دولي يعتبره غير شرعي، وأنه مناهض لشرعة حقوق الإنسان، إلا أنهم يواصلون البناء.
مر وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية جون كيري أثناء جولاته في المنطقة، من حدود الجدار، من دون أن يتوقف ليقول كلمة واحدة بحقه، ومن دون أن يسترعي انتباهه، وهو الذي طالما تباكى على حقوق الإنسان في مطارح أخرى، ومن دون أن يرى ممارسات جنود مدججين بالسلاح بحق شعب أعزل.
هم يعتقدون أن جدارهم سيحميهم، أو يصنع لهم أمنا، لكنهم واهمون، فلن يستطيعوا الوصول للأمن طالما أصروا على البقاء في أرض ليست لهم، واستباحة سماء ليست سماءهم، ونهب مياه لا يحق لهم الشرب منها.
ستبقى الخليل كما بقية مدن فلسطين مسيجة بإرادة شعب لا يقهر، شعب يرفض أن يغادر أرضه، يرفض أن يعترف بواقع بعد أن تكالبت عليه دول عالمية وعربية لإجباره على الاعتراف بذلك الواقع، فهو شعب سيبقى على يقين بأن الكف الفلسطينية العارية، إلا من الإرادة، تستطيع أن تقف في وجه مخرز المحتل.
بشار... ونحن نتفيأ ذكرى يوم الأسير الفلسطيني، الذي صادف السابع عشر من نيسان (ابريل) الحالي، سلام لك... سلام لكل الأسرى في سجون الاحتلال، ولا بد لليل أن ينجلي... ولا بد للقيد أن ينكسر.
(الغد)