ملف حساس بين يدي النواب هذا اليوم،يتعلق بالتعديلات على قانون منع الارهاب،بعد ان انهت اللجنة القانونية،اعمالها بشأنه،الفترة الماضية،والتعديلات حظيت بعاصفة سياسية تهاجمه،فيما آخرون يرونها مهمة،ومذهب ثالث غالب يرى ان لا جديد في كل القصة.
قانون منع الارهاب ليس جديدا،اذ انه مقر منذ عام الفين وستة اثر تفجيرات عمان،والتعديلات الجديدة،جوبهت بحملة ناقدة تقول انها تعديلات يراد منها،مس الناشطين السياسيين وخفض منسوب الحريات في البلد،هذا على الرغم من ان «الطائفة المقصودة» بالقانون وتعديلاته ليست طائفة الناشطين السياسيين ولا الاعلام.
ليس ادل على ذلك من سنين الربيع العربي التي مرت على الاردن ولم تؤد الى سجن الناشطين بتهم الارهاب،برغم وجود قدرة لتوظيف نصوص قانونية موجودة اصلا بهذه الطريقة لو ارادوا فعل ذلك.
المفارقة ان النصوص الجديدة،ليست جديدة،اذ انها ذات النصوص في قوانين اخرى،مثل العقوبات،وقانون الاسلحة والمفرقعات،وقانون غسيل الاموال ومكافحة الارهاب،وقانون الجرائم الالكترونية،تم جمعها وتركيزها في قانون واحد،فلا جديد اذن.
التعديلات على قانون منع الارهاب اثارت ضجة كبيرة،والرافضون للتعديلات،باعتبارها تمس الحريات العامة،او تمنح صلاحيات اوسع للبطش بأي نشاط سياسي او اعلامي،لم يتنبهوا الى امرين مهمين للغاية.
اولهما ان بيئة التعديلات تأتي في ظل ظروف اقليمية خطيرة تحيط بالاردن،اذ يحاط الاردن بسوار من الجماعات المتشددة المقاتلة،التي يختلف بشأنها حتى الاسلاميون،ومن اتجاهات مختلفة.
هذه جماعات مقاتلة ومدربة،وارتدادها على الاردن وارد جدا،من سورية وغرب العراق وسيناء مصر ومناطق اخرى،فيما مقاومة الاحتلال ليست بحاجة الى استثناء قانوني هنا،فمقاومة الاحتلال ليست بحاجة لتغطية قانونية ولا لشرعية من احد في هذه الدنيا.
بيئة التعديلات واضحة،وبنيت على اساس الظرف الاقليمي،ومخاطره الاكتوراية،وليس على اساس حسابات الداخل ومعارضته السياسية،فالارهاب لا يختلف على مضمونه احد،ولا علاقة له هنا،بمعارضة سياسية،ولا بمقاومة احتلال.
ثانيهما ان جميع التعديلات ليست جديدة،من تعريف الارهاب،مرورا الى العقوبات،والقضايا التي يشملها هذا القانون،اذ انها تعديلات تم وضعها عبر جمعها من قوانين اخرى،وهناك عقوبات تم خفضها في التعديلات الجديدة.
الذي يطالع هذه القوانين سيكتشف ان نصوصا بحرفيتها تم نقلها الى التعديلات الجديدة،وكل القصة تتلخص عمليا،بجمعها في قانون واحد،بدلا من تناثرها هنا وهناك،وهذه مفارقة ايضا لان مهاجمة التعديلات،لم تتأسس على مقارنة نصوص التعديلات بتلك النصوص في القوانين الاخرى،بل عبر تسييس التعديلات،وافتراض سوء النوايا.
هناك قوانين اخرى تضمن الحريات،مثل قانون الاجتماعات العامة،وقوانين الصحافة والاحزاب،وغيرها من قوانين،ولايعقل ان يحدث هناك تضارب بين الحق في التعبيرعن فكرة سياسية بسلمية،وبين من ينزع لعمل تخريبي،من خلال توظيف ارضية سلمية.
حين يتم ارسال جماعات للتفجير في الاردن،وتحصل على دعم وشراكة محلية،هنا،سيصير لحظتها الملام،كل من فتح الباب لهذه الثغرات،وبين ايدينا حكايات كثيرة،آخرها الاسلحة التي يسعى كثيرون لتهريبها الى الاردن من سورية،ثم حادثة اختطاف سفير الاردن في ليبيا،وقبلها تفجير سفارة الاردن في بغداد،وقوس من القصص التي لا سند شرعيا فيها،ولا اصل وطنيا لها.
من حق كثيرين رفض التعديلات على قانون منع الارهاب،ورفض القانون،غير ان اللافت للانتباه هنا،ان بعضهم لا يقرأ ابدا،لان التعديلات على القانون،ليست جديدة،اذ انها موجودة في اكثر من خمسة قوانين اخرى،وتم ترحيلها الى قانون واحد،فلماذا كانوا يتعامون عن هذه النصوص،وتذكروها فجأة عند جمعها في قانون واحد؟!.
لا اعتقد من جهة اخرى ان قانون منع الارهاب له علاقة بالحريات السياسية والاعلامية،فقد شهدنا تعبيرات حادة جدا خرقت كل سقف،خلال السنين الفائتة،عبر المسيرات ووسائل التواصل الاجتماعي،وبقي من خلفها سالما غانما،هذا على الرغم من امكانية تجريمه بوسائل مختلفة،والبلد الذي عبر الربيع العربي بأقل كلف،ليس مضطرا الى نصوص قاسية،بعد ان بات في مناخ آمن نسبيا.
اعتقد ان التعديلات سوف تمر هذا اليوم،لهذه الاسباب،خصوصا،في ظل مخاوف الاردن مما يجري في الجوار،وفي ظل حسابات كثيرة،تقول ان روح الدولة في النهاية،ليس قائمة على البطش السياسي،وهذه الروح هي الضمانة الاكبر في جعل كل قانون ضمن حدود تفسيراته،دون توظيفات متعسفة او اوسع.
عاصفة رفض التعديلات،ستمر على الاغلب هذا اليوم،خصوصا،ان كل القصة،تنحصر فقط بدعوتنا معارضي التعديلات لقراءة القوانين الاخرى النافذة،ليتأكدوا ان رفضهم على مشروعيته،جاء دون قراءة،او تحليل او مقارنة.
"الدستور"