ما حدث في انتخابات الجزائر يكشف عن فشل الأمة لا سيما حكامها في استيعاب تجربة ما يسمى بالربيع العربي، بل أبان أن هذا الربيع رغم عمقه، ورغم نتائجه التي ما زالت حية تتفاعل قتلا وتدميرا وتهجيرا لا يعني مَن تبقى من الحكام العرب إلا بالقدر الذي يعزز آلية بقائهم على كراسيهم المتهالكة.
فكيف لحاكم غير قادر على الحركة والنطق، ومصاب في مركز صنع القرار من جسده أن يحكم شعب المليون شهيد؟! وكيف خدع ملايين الناخبين وساقهم لانتخابه؟! وماذا بقي له من طموحات في تجربة الحكم بعد 3 دورات متتالية، وأي شيء لم يجربه حتى يبقى متعلقا بالكرسي على حساب كرامة شعبه؟!
وإلى متى سيبقى الاستهتار بالشعوب بطريقة تعمّق عندهم أشكالا من الغبن والقهر؟! ألم يكف نهب الشعوب وسرقتهم لصالح بنوك الغرب، وترك هذه الشعوب للغلاء والفقر والبطالة وطوابير استلام دعم السلع المهين...
وما هي نظرة العالم لملايين الجزائريين الذين انتخبوا رئيسا عاجزا، وكيف سيكون التفسير سوى أنهم ليسوا أقل منه عجزا لاسيما بعدما أعلنت السلطات هناك أن الانتخابات تمت في أعلى مستوى الشفافية والنزاهة كحال بقية الانتخابات العربية!
كانت الجزائر من الدول المتوقع أن يصل إليها الربيع العربي منذ مراحله الأولى، وقيل حينها إنها أكثر الدولة المرشحة للثورة، لكن الشعب الجزائري الذي عانى من الفوضى والقتل بالفؤوس وغيرها آثر القبول بمن يعتقد أنه قادر على منع ذلك، فما كان من بوتفليقة وأعوانه إلا أنهم استغلوه أيما استغلال، فجاء الظلم من حاكمه العربي لا من المستعمر الفرنسي!
لو أن بوتفليقة ما زال في ولايته وأصابه المرض لتُوقع منه المسارعة إلى التنازل عن الحكم لصالح مَن هو أكثر قدرة للقيام بمهام الحكم، لكن أن يعود إليه وهو على هذه الحال، فإن الأمر يثير أكثر من القلق والاستياء، إنه استفزاز للشعب للخروج بحثا عن مقدار ذرة من كرامة.
كان يتوقع لرئيس له عدد من المواقف الإيجابية في حكم شعبه، ويُدعى بمانديلا الجزائر لموقفه من تحقيق الوئام الوطني أن يفعل مثل مانديلا في تخليه عن الكرسي، ويجنبّ شعبه الذل في انتخاب رئيس مقعد، ولكنهم الحكام العرب لا يريد الواحد منهم أن يصل مرحلة الموت إلا وقد ورّث كرسيه، وإلا جرّ شعبه معه، ربما؛ لأنه يحسده على الحياة من بعده، وربما لأنه بلغ به جنون العظمة أن يعتقد أن لا أحد يستحق الحياة من بعده !
(الرأي)