في المسألة الخليجية .. ولد ليبقى
العزب الطيب الطاهر
21-04-2014 05:34 PM
لم أشك لحظة في قدرة منظومة مجلس التعاون الخليجي على مغادرة منطقة الأزمة التي اشتعلت بين قطر من ناحية والسعودية والإمارات والبحرين من ناحية أخرى. مما أسفر عن قيام الدول الثلاث بسحب سفرائها من الدوحة والدخول في منطقة المصالحة واستعادة الروح الخليجية العفية والموحدة والقادرة على مجابهة التحديات سواء من الداخل أو من الخارج. وهنا أستعيد مقولة الصديق الكبير عبد الرحمن بن حمد العطية الأمين العام السابق لمجلس التعاون والتي كان يكررها تقريبا في كل حوار أجريه معه وهي أن "المجلس ولد ليبقى".
لم أتوصل إلى هذه الخلاصة من زاوية عاطفية فياضة أو من خلال قراءة عن بعد للمنطقة. وإنما استندت في ذلك إلى معايشتي لقضايا وتطورات منظومة المجلس لفترة تقترب من العشرين عاما. أثناء فترة عملي بالدوحة زرت خلالها كل عواصم المجلس أكثر من مرة مشاركا في مؤتمرات مؤسسة القمة الخليجية التي كان القادة حريصين على عقدها في مواعيدها - في شهر ديسمبر من كل عام وبدون تلكؤ. بل وأضافوا إليها قمة تشاورية في منتصف المسافة بين القمتين الرسميتين – في شهر مايو- فضلا عن لقاءات متنوعة ومتعددة مع الأمناء العامين لمجلس التعاون. وإن كنت لم أحظ بلقاء الأمين العام الحالي الدكتور عبد اللطيف الزياني بسبب عودتي إلى القاهرة قبل نحو ست سنوات. غير أنني مع ذلك أتابع نشاطه المحمود ومحاولاته الدؤوبة للقيام بواجباته خاصة في ظل تحولات تشهدها المنطقة العربية والخليجية في آن.
لقد عكس الاجتماع الأخير الذي عقد مساء الخميس الماضي على مستوى وزراء خارجية دول المجلس بالقاعدة الجوية بالرياض. قدرة المنظومة على تجاوز ما جرى قبل فترة مما فجر خلافا علنيا هو الأول من نوعه على مدى زمني يزيد على ثلاثة وثلاثين عاما منذ انبثاق المجلس في الخامس والعشرين من مايو من العام 1981 بمدينة أبو ظبي. وهو ما تجلى في الاتفاق على تبني الآليات التي تكفل السير في إطار جماعي ولئلا تؤثر سياسات أي من دول المجلس على مصالح وأمن واستقرار دوله ودون المساس بسيادة أي من دوله. وذلك انطلاقا مما يربط دول منظومة التعاون الخليجي من الوشائج والروابط التاريخية والمصير الواحد، والحرص على دفع المسيرة لها وذلك بعد إجراء مراجعة شاملة للإجراءات المعمول بها فيما يتعلق بإقرار السياسات الخارجية والأمنية.
وبعيدا عن الاجتهادات التي طالت هذه الآليات التي لم يحددها البيان الرسمي الذي صدر عن الوزاري الخليجي بالرياض مساء الخميس الفائت فإنه يمكن القول إن ثمة عوامل عدة أدت إلى استعادة التوافق بين دول المجلس الست في مقدمتها:
أولا: في مقابل الجهود المقدرة التي بذلتها القيادة الكويتية التي وعدت خلال ترؤسها للقمة العربية التي عقدت يومي 25 و26 مارس الماضي ببذل أقصى الجهد لتقنية الأجواء بين دول المجلس. فإن كلا من الدول الأربع: قطر والسعودية والإمارات والبحرين لم تبد اعتراضا مع طروحات ومقترحات الشيخ صبا ح الأحمد الصباح أمير الكويت الذي راهن على ما يمكن وصفه بالدبلوماسية الخليجية التي تقوم على الاتصالات المباشرة والوضوح وتجنب المناورات. أو ما يطلق عليه في التعبيرات الدارجة اللف والدوران متكئا في ذلك على صداقات وتفاهمات شخصية مع كل قادة دول المجلس الآخرين الذين يثقون في تراكم خبراته بأوضاع وملفات المنطقة. فضلا عن ميزات نسبية يمتلكها في مقدمتها بالطبع ترؤسه للدورة الحالية لكل من قمة مجلس التعاون التي عقدت بالكويت في ديسمبر المنصرم والقمة العربية التي عقدت في مارس الفائت
ثانيا: إن المتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية منذ اندلاع ثورات الربيع العربية فرضت على قادة دول المجلس بالذات. المضي قدما باتجاه بلورة صيغة أكثر فعالية من التنسيق والتكامل والتعاضد على كافة الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية. وهو ما دفع بعد قراءة متأنية لكل ما جرى من أطراف الأزمة إلى ضرورة تبنى خيار تجاوز الأزمة وردم أي هوة يمكن أن تقود إلى الإخلال بالبنية التحتية والمؤسساتية لمنظومة مجلس التعاون. والتي نجحت على مدى أكثر من ثلاثة عقود في وضع أساسات قوية لتكتل إقليمي قوي وهو بحاجة إلى المزيد من الخطوات حتى تكتمل ملامح هذا التكتل ليصبح رقما مهما في المعادلة الأمنية الإقليمية التي تقبض عليها بقوة حتى الآن عوامل إقليمية ودولية.
ثالثا: إن دول مجلس التعاون الخليجي تدرك أنه ليس أمامها خيارات وبدائل متعددة سوى الاستمرار في متوالية البناء والإضافة. التي تشهد كل عام تحولات نوعية قربتها إلى الصيغة الحلم والتي تتمثل في الاتحاد الأوربي.
ومن ثم فإن الإبقاء على أي مساحات خلاف أو توتر من شأنه أن يقود المنظومة برمتها إلى الانهيار. وهو ما لا تسمح به ضمائر القادة والنخب السياسية مهما كان حجم الخلافات والتي ثبت عمليا أنها لا تمتلك ترف الاستمرار في هذه الخلافات ومن ثم عادت بوتيرة متسارعة إلى المربع الأول المتمثل في استعادة منظومة المجلس لروحها التي صاغها الآباء في مطلع ثمانينات القرن الفائت بهدف أن تشكل قيمة مضافة للأمن والاستقرار الإقليمي في المنطقة والتي تعد من أشد مناطق العالم حساسية. فضلا عن تمتعها بأهمية إستراتيجية استثنائية لدى القوى الكبرى وهو ما دعا أغلبها إلى توقيع اتفاقيات دفاعية مع دول المجلس تلزمها بحماية أمنها واستقرارها. وإن كانت ثمة أصوات ارتفعت في الآونة الأخيرة تدعو إلى الاعتماد على القدرات الذاتية لدول المنطقة وهو أمر ينبغي الولوج إليه خاصة بعد التحولات الواضحة في مواقف الولايات المتحدة وبعض القوى الكبرى خاصة بعد اتفاق إيران مع مجموعة 5 (زائد 1) قبل أكثر من أربعة أشهر والذي أثار شكوك وعلامات استفهام السعودية وبعض دول المنطقة مما دفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما لزيارة الرياض مؤخرا لتطمين القيادة السعودية وغيرها من دول المنطقة.
رابعا: إنني على يقين أن اتفاق الخميس الفائت سيلقى بظلاله الإيجابية على العلاقات القطرية المصرية. والتي شهدت بعد ثورة الثلاثين من يونيو الماضى بعضا من التباينات والتناقضات أسهمت الحملات المتبادلة بين الوسائط الإعلامية في البلدين في صب المزيد من النيران على متنها. ويقينى أن القيادة القطرية لن تدفع بالأمور إلى التفاقم مع مصر المحروسة وذلك اقتناعا منها بأهمية المحافظة علي استقرارها وأمنها ومقومات بقائها كقوة إقليمية تشكل عمقا استراتيجيا لأمن الخليج ومن ضمنه قطر واسترجع هنا مقولة الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والتي نقلها عنه الكاتب والمفكر الكبير محمد حسنين هيكل في حديثه لفضائية السي بي سي مساء الخميس الماضي ومؤداها" ليس بوسع أحد أن يفتح فمه إذا كانت مصر هي مصر" واللافت أن الاتفاق القطري الخليجي قد حظي بترحيب مصر والتي أعلنت وزارة خارجيتها على لسان المتحدث الرسمي باسمها السفير بدر عبدالعاطي تأييدها لأي جهود من شأنها تحقيق الوفاق العربي مؤكداً أهمية أن يقوم ذلك علي أسس سليمة تضمن الاحترام الكامل لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة عربية. الشرق القطرية