سوريا: وصل «التاو» وبقي «ستينغر»
عبد الله بن بجاد العتيبي
20-04-2014 02:11 PM
تعيش سوريا اليوم في أتون حربٍ أهلية كانت بوادرها بادية قبل ثلاثة أعوامٍ وكان البعض يشكك في قدومها ولكنّها أتت في النهاية كنتيجة واقعية لتوازنات القوى في العالم والمنطقة.
هذه التوازنات حرمت الشعب السوري والمعارضة السورية والجيش الحرّ على مدى ثلاثة أعوامٍ من الحصول على الأسلحة النوعية التي يحتاجونها والتي كانت تمثلها حاجتان أساسيتان تكمنان في نوعين من السلاح؛ سلاح مضاد للدروع أو الدبابات وسلاحٌ مضادٌ للطيران، ولو حسم الأمر باكرا ووصل هذان السلاحان لأيدي الشعب السوري وجيشه الحر لانتهت الأزمة قبل نجاح النظام السوري وداعمه الإقليمي في الجمهورية الإسلامية بإيران في خلق تنظيمات الإرهاب كتنظيمات القاعدة وداعش والنصرة ونحوها والتي أصبحت لاحقا محلّ جدلٍ إقليمي ودولي أعاق أي تحركٍ دولي تجاه الأزمة السورية.
الجديد اليوم هو دخول سلاحٍ جديدٍ هو سلاح «التاو» الأميركي المضاد للدبابات والدروع في المعركة، وهو سلاحٌ نوعي يؤثر على مجريات الصراع المسلح والحرب الأهلية على الأرض، وهو حين تنجح المعارضة في حصر استخدامه ضد قوّات النظام والقوّات الإرهابية المسلحة المتضامنة معه شيعيا وسنيا دون أي تسربٍ أو فقدانٍ لأي قطعة منه سيمهد الطريق نحو السلاح النوعي الآخر وهو السلاح الذي سيغير كثيرا في موازنات القوى المسلحة على الأرض وسيحطم كل طموحات الأسد التي عبّر عنها مؤخرا ألا وهو سلاح مضادات الطائرات مثل صاروخ «ستينغر» أو ما يماثله.
تاريخيا شكّل دخول «ستينغر» لأفغانستان لحظة شديدة الأهمية والتأثير في مرحلة الصراع الدولي إبان الحرب الباردة آنذاك، وكانت بداية انكسارٍ لجيش الاتحاد السوفياتي، وكان وصوله لأيدي المقاتلين الأفغان قد أطلق العد التنازلي لانهيار القوات السوفياتية في أفغانستان، ومع الرفض لأي محاولة لادعاء التطابق بين الحالتين لاختلاف التاريخ والمعطيات فإن الأثر البالغ شبه مؤكدٍ فيما لو دخل هذا السلاح المعركة.
كانت المملكة العربية السعودية صاحبة الموقف الأول دوليا وإقليميا لمساندة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد وحلفائها الإقليميين والدوليين ولمّا تزل، وقد حاول الإعلام التابع للمحور الإيراني حصر المعركة مع شخص الأمير بندر بن سلطان فكانوا يتحدثون عنه حديث العجائب، وهو أهلٌ لذلك، وقد عبروا في الأيام الأخيرة عن فرحٍ عارمٍ لترجله عن منصبه، ولكنهم نسوا أن استراتيجيات الدول تستمر وإن تغيّرت الأسماء، وغالبا ما تكون التغييرات الاستراتيجية هي لما هو أشد وأنكى.
لدى السعودية ما يؤهلها لاستمرار لعب الدور الأكبر لدعم الشعب السوري، فهي قادرة على الفرز في مشهدٍ شديد التعقيد كما يجري في سوريا اليوم، ذلك أنها بعدما خاضت واحدة من أكبر المعارك ضد تنظيم القاعدة وخرجت منها منتصرة تمتلك قاعدة معلوماتٍ عريضة وتفصيلية تمنحها القدرة على اكتشاف العناصر الإرهابية أقله على مستوى التوجهات والعلاقات والقيادات، وهي بذلك قادرة على تكوين رؤية أكثر تماسكا تجاه مجريات الأحداث هناك وطمأنة تخوفات بعض الدول الغربية تجاه الخوف من وصول الأسلحة النوعية لأيادٍ إرهابية.
القائد الضعيف لا يجني على الواقع إلا بقدر ما يخرّب المستقبل، لبلاده ولحلفائه وللنظام الدولي برمّته، وأكثر من ينطبق عليه هذا الكلام هو الرئيس الأميركي باراك أوباما، وقد انتقده أعضاء مهمون في الكونغرس الأميركي وحذروا من الآثار الاستراتيجية المترتبة على تردده وضعفه على المصالح والتحالفات الأميركية حول العالم.
تمت الإشارة مسبقا في متابعة الحدث السوري إلى خطورة سماح الولايات المتحدة لروسيا بالصعود القوي على الساحة الدولية وأن ذلك سيغري إمبراطور روسيا الجديد فلاديمير بوتين بالمزيد، وهو ما حصل بالفعل في أوكرانيا حيث قام في أيامٍ معدودة بضم شبه جزيرة القرم لروسيا بالكامل وهو يسعى الآن للتدخل في شرق أوكرانيا ويحشد جيوشه ويرتب قواته المسلحة وهذا التحرك الروسي والتهديد يقابل دائما بتصريحاتٍ متوالية لوزير الخارجية الأميركي جون كيري بأن أميركا تنوي القيام بشيء ما في مرحلة ما.
لم تزل الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم لا بالقوات المسلحة فحسب بل بمجموع عناصر القوة ولكنها لا تصنع شيئا حين تكون في يد من لا يحسن استخدامها، ومن هنا فإن تلك التصريحات لا تخيف رئيسا كبوتين خصوصا والتجربة القريبة لمواقف الإدارة الأميركية تجاه الأحداث في سوريا تؤكد عدم القدرة على اتخاذ قراراتٍ استراتيجية حتى عندما هدد أوباما بشن حربٍ على نظام الأسد إن استخدم السلاح الكيماوي سرعان ما تراجع عنها بمجرد أن فتح له بوتين طريقا للهروب عبر تسليم السلاح الكيماوي وفق شروطٍ مرنة.
ومن هنا فقد عاد النظام السوري دون وجلٍ لاستخدام السلاح الكيماوي مرة أخرى ضد شعبه في تحدٍ كبيرٍ للمؤسسات الدولية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والدول الكبرى في العالم، وقد أشار سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الأسبوع الماضي إلى «تواتر الأنباء الخطيرة عن استخدام النظام للغازات السامة ضد المدنيين أخيرا في كفر زيتا في ريف حماه».
لطالما أخطأ الكثير من المراقبين والمحللين الغربيين والعرب في قراءة سياسات ومواقف السعودية، وفي هذا السياق يأتي كثيرٌ من الكلام الملقى على عواهنه والتحليلات الشاطحة التي تزعم أن السعودية ستتخلّى عن الشعب السوري وعن قضيته وعن دعمه، فالمعركة في سوريا هي حربٌ مع كل المحور الإيراني ونفوذه وإرهابه في المنطقة وكما أن السعودية لا تتخلى عن حلفائها فإنها بالأحرى لا تتنازل عن حماية مصالحها والدفاع عن حقوق الدول العربية في مواجهة هذا المحور المعادي لكل العرب.
ميدانيا، فقد قامت كتائب من الجيش الحرّ بتحرير مناطق على الساحل السوري ودخلت إلى محافظة اللاذقية ما يعني أمرين مهمين؛ الأول امتلاك منفذٍ بحري يمكن لاحقا الدفاع عنه واستغلاله في دعم الجيش الحرّ بشكلٍ مباشرٍ من المياه الدولية. والثاني: تهديد المعقل الرئيس للنظام في اللاذقية الذي يجند فيه ويتلقى كافة أنواع الدعم ويحصنه ليكون ملاذه الأخير، فغير صحيح أن تقصف المدن والقرى السورية بكافة أنواع الأسلحة والبراميل المتفجرة والغازات السامة وتبقى هذه المنطقة خارج الحسبة لمجرد أنها موالية للنظام.
أخيرا، وصلت صواريخ «التاو» لأيدي مقاتلي الجيش الحرّ وهي خطوة في الاتجاه الصحيح ونجاح المقاتلين في الحفاظ عليها في معركة خالصة مع النظام سيمهد الطريق لوصول الصواريخ المضادة للطيران.
(الشرق الأوسط)