حوار الطرشان .. الدوار السابع نموذجًا
بلال حسن التل
20-04-2014 01:58 AM
من الآفات التي ابتلي بها المجتمع الأردني، في السنوات الأخيرة تنامي ظاهرة الثرثرة، التي سرعان ما تتحول إلى صخب، تضيع فيه الحقيقة، وهو صخب ناجم عن الاعتقاد السائد خطأ حول تساوي الرؤوس ومن ثم تساوي الآراء كمقياس من مقاييس المساواة بين الناس بصرف النظر عن الخبرة والاختصاص، وفي ظل هذا الاعتقاد الخاطئ حول تساوي الرؤوس، صار رأي الخبير مساويًا لرأي الخفير، وصارت النتائج التي نصل إليها عن القضايا التي نثرثر حولها مما ينطبق عليه القول «نسمع جعجعة ولا نرى طحنا».
ولهذا أسباب كثيرة أولها: إننا لا نؤمن بالاختصاص، ففي لحظة واحدة نصبح كلنا علماء ذرة. كما هو الحال في قضية المفاعل الذري الأردني. وفي لحظة أخرى نتحول إلى مهندسين وخبراء مرور، كما هو الحال في قضية الدوار السابع، وفي لحظة ثالثة لا نمانع من الدفاع عن الباطل البين ونهاجم الحق المبين، كما فعلنا عندما انتقدنا تشدد وزارة التربية والتعليم في الإجراءات المصاحبة لامتحان التوجيهي، بهدف تحقيق العدالة بين الطلاب. بل إننا لا نتورع في كثير من الأحيان عن تبني آراء متناقضة فيما بينها، أو ننقلب اليوم على ما كنا نؤمن به بالأمس دون ان نبدي أسبابًا مقنعة لهذا الانقلاب.
غير عدم إيماننا بالاختصاص فنحن أيضًا لا نؤمن بأهمية توفر المعلومة، لتكون أساسًا للموقف الذي نتخذه.
فجلّنا نبني مواقفنا ونبدي آراءَنا في الغالب على انطباعات نكونّها سماعًا، دون ان نمتلك المعلومات، التي تؤهلنا للمشاركة في القضية محل النقاش وإبداء الرأي فيها، بل إننا لا نكلف أنفسنا عناء البحث عن المعلومة. بعد ان صار الكثيرون منا لا يتورعون عن الإعلان انهم لا يقرأون الجرائد لأنهم لا يؤمنون «بحكي الجرايد» وهؤلاء أنفسهم لا يقرأون الكتب أيضًا، ومع ذلك يصرون على المشاركة في مناقشة كل القضايا - المحلي منها والدولي - حتى يظن المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي، أن «الانتخابات البلدية التركية» مثلاً شأنٌ محليٌ أردنيٌ، وأن «أزمة أوكرانيا» تهدد بقطع الطريق بين إربد وعمان.. كل ذلك دون أن نكلف أنفسنا عناء القراءة لتكوين الرأي على أساس المعلومة.
غير ان إهمالنا للقراءة كمصدر من مصادر المعلومات المطلوبة لتشكيل الرأي حول القضية التي نناقشها، فإننا أيضًا لا نكلف أنفسنا عناء الاتصال بالجهات ذات العلاقة لنفهم الحقيقة، ونستجلي الأمر من مصادره على قاعدة «فتبينوا».
بل اننا نفعل العكس تمامًا، فنصيب الآخرين بجهالة، عندما نروج الإشاعات، دون ان نكلف أنفسنا عناء التحقق من مدى صحتها. وفي هذا الإطار فاننا لا نتورع عن اتهام المسؤولين على اختلاف مستوياتهم بأقذع التهم فقد صار التأشير بالفساد على كل مسؤول من المسلمات في بلدنا. عداك عن مسلسل طويل من التهم الأخرى الجاهزة كالتسرع، وعدم الدراسة، والارتجال. كما حدث في قضية الدوار السابع، فلماذا كل هذه المواقف المسبقة التي نتخذها ضد المسؤولين في مؤسسات الدولة المختلفة؟ أوليس هؤلاء المسؤولون والعاملون معهم أردنيون وأبناء بلد؟! أم اننا نستوردهم من الخارج؟ وهل يعقل أن بطون الأردنيات، وظهور الأردنيين لا تنجب إلا الفاسدين والفاسدات؟ ومن قال: إن الحس بالمسؤولية وقبله بالمواطنة مات عند كل المسؤولين، وعند كل العاملين في أجهزة الدولة، أم ان رغبتنا بالثرثرة تعمي عيوننا عن الحقائق؟.
لقد قيل الكثير في قضية إزالة الدوار السابع، وقبله في قضية المفاعل النووي وبينهما في قضية امتحان التوجيهي، بل وفي كل القضايا التي تقع في بلدنا لكن المؤلم ان النقاش المطلوب حول هذه القضايا صار يخرج عن أدب الحوار، وحرية إبداء الرأي، إلى حرية الشتم وسهولة الاتهام، الذي يقود إلى هزّ الثقة بمؤسسات الوطن من جهة، وقبل ذلك يحيل النقاش إلى «حوار طرشان» لا يقود إلى نتيجة لأن الجميع يصرخون في وقت واحد دون ان يستمع أحدهم إلى الآخر لمعرفة وجهة نظره. مما يفرض علينا جميعًا ان نستذكر أدب الحوار والشروط التي يجب ان تتوفر في المتحاورين.
إن مما يزيد الطين بلّه في «حوار الطرشان»، الذي يجري حول مختلف القضايا في بلدنا، ان كلاً منا يرى الأمور من زاويته الشخصية، دون ان يبذل جهدًا ليضع نفسه مكان الآخرين، أو حتى الاستماع إلى آرائهم بالقضية محل النقاش، بل وفي كثير من الأحيان نجر الحوار إلى قشور القضية المطروحة، أو إلى إفرازاتها، دون النظر إلى جوهرها، كما حدث في قضية الدوار السابع.
ففي الوقت الذي أسهب البعض في رثاء التمثال الذي كان قائمًا على الدوار. وأفاض البعض الآخر بالمفاضلة بين الدواوير والإشارات الضوئية لحل أزمة المرور، فإن أحدًا منا لم يشر إلى السبب الإنساني، الذي يلعب دورًا رئيسًا في خلق أزمات السير واختناقات المرور الناتجة عن سلوكياتنا في قيادة المركبات، وعن تفلتنا من قواعد السير والمرور، وعن مخالفتنا للقوانين والأنظمة، مثل استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة، وما ينجم عن ذلك من أخطار وأضرار للآخرين، خاصة عندما تصبح حركة السائق المستخدم للنقال في غاية البطء، ومن مثل تغير مسرب المرور بصورة مفاجئة، وصولاً إلى السير بعكس المسرب، وما يسببه ذلك كله من مخاطر أقلها: تفاقم أزمات السير والاختناقات المرورية التي نحمّل أمانة عمان وغيرها من المؤسسات مسؤوليتها دون أن ننظر إلى دورنا في خلق هذه الأزمات والاختناقات. ومن ثم دورنا في حلها من خلال إصلاح أخطائنا السلوكية. وفي مقدمتها التمييز بين الحور والنقاش من جهة والثرثرة والصخب من جهة أخرى.
(الرأي)