نيويورك تايمز : الحرب السورية تلهم "مجاهدي" مدينة أردنية
19-04-2014 04:51 PM
عمون - بن هبرد ـ نيويورك تايمز ـ ترجمة هاشم التل - في وقت متأخر من ذات ليلة، ترك أبو عبدالله حياته في الزرقاء خلفه.
هاجرا زوجته وطفليه ومحل الأطعمة المجمدة المتواضع الذي يملكه، تسلل عبر الحدود إلى سوريا للانضمام إلى أحد الفصائل التابعة لتنظيم القاعدة.
انتعش على وقع الانفجارات وأزيز الرصاص، وانتشى في خدمة قضية اعتبرها مقدسة. ولكن معاناة زوجته دفعته للعودة إلى مدينته الصحراوية، حيث يتوق للأيام التي قضاها في تنظيم الجهاد العالمي.
"لو سنحت لي الفرصة مرة أخرى، سأذهب دون رجعة" وأضاف "كانت تلك الشهور الثلاث الأفضل في حياتي".
هنا في مسقط رأس أبو مصعب الزرقاوي، الذي اكتسب سمعته السيئة لحكمه الدموي كزعيم للقاعدة في العراق خلال السنوات الأولى من الاحتلال الأمريكي هناك، أشعلت الحرب الطائفية المستعرة في سوريا التعبئة الجهادية الأكبر في تاريخ المدينة.
ويقدر محللون أردنيون وإسلاميون أن ما بين 800 إلى 1,200 أردني قد ذهب للقتال في سوريا، أكثر من ضعف عدد الذين قاتلوا في أفغانستان أو العراق. ورغم توافد المقاتلين من جميع أنحاء البلاد، فإن ثلثهم يأتون من هنا.
يختفي معظم المقاتلين دون إبلاغ أسرهم، ويعبرون الحدود للانضمام إلى جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، أو الدولة الإسلامية في العراق وسوريا "داعش"، مجموعة منبثقة عن تنظيم القاعدة. وفي حين أن بعضهم من غير المتعلمين والفقراء، يحمل آخرون درجات جامعية ويتركون وظائفهم، والمنازل والسيارات، والزوجات والأطفال خلفهم، لقضية يعتقدون أنها سوف تجلب لهم مكافآت في الجنة.
بالنسبة لمعظمهم، هي رحلة بلا عودة، إما لأن هذه العودة يمكن أن تؤدي بهم إلى السجن، أو لأنهم يموتون في الخارج. وكل بضعة أسابيع، تقيم أسرة في الزرقاء "عرس شهيد"، ويعود سبب التسمية لأن الشهادة لا تعتبر سببا للحزن، ولكن للتجمع والاحتفال.
وبينما يقول المحللون أن السياسة والاقتصاد الأردني الراكد يشجع الرجال المهمشين المتدينيين على التماس المجد في ساحات القتال الخارجية، يؤكد قادة إسلاميين وأقارب المقاتلين أن الدافع هو قناعة المقاتلين الراسخة.
الكثير من المقاتلين يدفعهم العنف المتطرف للحكومة السورية، والشعور بأن العالم لا يفعل شيئا لوقف ذلك. في الوقت نفسه، يرون سوريا كنقطة انطلاق للمشروع الخاص بهم محو الحدود في المنطقة، وإقامة الدولة الإسلامية وفرض قوانين الشريعة.
وقال الطبيب والإسلامي المعروف في الزرقاء منيف سمارة "ليس هناك شيء من قبيل سوريا للسوريين". مضيفاً "أينما كانت ديار المسلمين، فإن تنفيذ الشريعة الإسلامية من واجبنا".
سمارة، الذي يعرف العديد من الأردنيين المقاتلين في سوريا، قال إنه لن يثبط ابنه، طالب طب الأسنان، عن الذهاب إلى سوريا إذا اختار.
وتسائل "إلى متى نعيش، هل أهبه الحياة الدنيا أم الآخرة"؟
لإلقاء الضوء على دافع قيام الرجال المحليين بالجهاد في سوريا، رتب سمارة لقاءً في عيادته بين الصحفيين وأبو عبد الله، الذي قال أنه أثناء نشأته في الزرقاء، أدرك منذ فترة طويلة إمكانية أن يكون الجهاد هو مسار حياته. معارفه من الرجال حاربوا وماتوا في الشيشان والعراق، وقال أنه بدأ في إطالة لحيته كعلامة على إيمانه بعد وفاة الزرقاوي في عام 2006.
اندلاع النزاع في سوريا، والصور البشعة على شاشة التلفزيون، والمخاوف من انتشار النفوذ الإيراني أدى به إلى الجهاد، قالها، مستخدماً اسمه الحركي، تجنباً لإلقاء القبض عليه من قبل السلطات الأردنية.
وضعه أصدقاء متواجدون في سوريا على اتصال مع أحد المهربين، الذي قاده عبر الحدود ليلا مع 16 أردني آخر. محملين بالإمدادات الطبية، معظمها من الحبوب والإبر. وأخذ معه سروالين وبعض الملابس الداخلية.
متخطيا 30 عاماً، كانت لياقته أسوأ من زملائه الأصغر سنا، حيث كان أداءه ضعيفا في التدريبات العسكرية. ولكن نظراً لأنه كان يدير عمله الخاص، وضع مسؤولاً عن إمدادات المجموعة، وشراء الطعام للمقاتلين والمعوزين من الأسر السورية.
وقال إنه اتصل هاتفيا مع البيت بشكل متكرر، وبعد الاستماع إلى زوجته تشتكي من صعوبة تربية طفليهما وحدها، وأن ابنته البالغة من العمر 8 سنوات كانت حزينة من غيابه، قرر العودة إلى الوطن.
وأضاف أن السلطات الأردنية اعتقلته على الحدود ولكنها أفرجت عنه بعد شهر من ذلك لأنها تفتقر إلى الأدلة أنه كان مقاتلاً.
الآن، وبعد عودته إلى الزرقاء، قال أنه يفتقد تلك الأيام، وأن الشرطة تراقبه عن كثب.
وقال "تشعر هنا بأنك في قفص صغير ولا يمكنك أن تتحرك".
لم يتم التحقق من روايته من مصدر مستقل، ولكن مروان شحادة وحسن أبو هنية، خبيرين أردنيين في الحركات الإسلامية، قالا أن تفاصيل قصته تتشابه مع قصص رجال آخرين قاتلوا في سوريا.
في كثير من الحالات، يؤثر الخروج المفاجئ للمقاتلين عميقاً على أسرهم، تاركاً الكثيرة منها ممزقة بين الدعم للقضية والحداد على الخسارة الشخصية.
جالسا في غرفة المعيشة محاطاً بالكتب، يقلّب محمد أبو رحيم، أحد الأباء في الزرقاء، الصور على الهاتف ويحدثنا عن اثنين من أبنائه الذين انضموا إلى الجبهة النصرة في سوريا.
شاهدنا حذيفة، 38 عاماً، خريج كلية الرياضة الذي ترك زوجة وثلاثة أطفال ووظيفة تدريس. في صورة له يحمل رشاشاً. بينما ظهر في فيديو يضبط وشاحهه فوق وجهة بعد انتصار المتمردين.
وقال أبو رحيم متذكراً رحيل ابنه "اختفى فجأة، ثم اتصل هاتفيا وقال' أنا في سوريا".
وهناك كان الحارث، 32، الذي ترك زوجة وثلاثة أطفال ووظيفة أيضا. وأظهرته صورة مع بندقية إلى جانبه، يسحن الماء على الحطب. وتظهره الصورة التالية ميتاً ، ووجهه الملتحي يبرز من كيس الدفن. وقال أبو رحيم أنه كان يقود سيارته عندما جاءت المكالمة الهاتفية بالخبر المشؤوم. "خرجت من سيارتي وسجدت لله"، وقال أنه فخور بأن ابنه قد حقق الشهادة التي طالما رغب فيها.
وقال أبو رحيم، أستاذ الثقافة الإسلامية، أن الأسرة كثيرا ما ناقشت "شؤون المسلمين،" بما في ذلك الحروب في البوسنة والعراق وأفغانستان، ولكن سوريا كانت تهمهم على نحو خاص فقد هربت عائلة زوجته من سوريا في الثمانينات خلال حملة الحكومة على "الإخوان المسلمين"، وقد قتل بعض من أقاربهم.
مثل العديد من الآخرين، قال إنه يرى الجهاد في سوريا جهد نبيل للاستعاضة عن البلدان التي أنشأتها الدول الاستعمارية بإقامة دولة إسلامية. وقال "الدول الغربية سمحت للطوائف، والجماعات الضالة بحكم المسلمين". وأضاف "هل يدوم هذا إلى الأبد؟ مستحيل!".
عندما انتشر نبأ وفاة ابنه، جاء مئات المشيعين إلى المنزل لحضور حفل زفاف الشهيد. وفي الخيمة الكبيرة، ارتفعت الرايات السود، واستمع الحضور إلى خطب وغنوا الأناشيد الدينية هاتفين"طريقنا: الجهاد!".
ولكن زوجته، هدى الوزان، بكت عندما تحدثت عن أبنائها، وقالت "كنت قلقة لأن البيئة والأصدقاء يؤثرون كثيراً على الطريقة التي يفكر بها هؤلاء الشبان".
وقالت "هناك من يقول إنه حفل زفاف للشهيد لا جنازة، ولكني لا اتفق مع هذا الطرح، إنها جنازتي".