يعالج كتاب "المواد الجديد: تقاناتها وسيرورات معالجتها وطرائق تصنيعها"، لمؤلفه مل شفارتز، وترجمة حاتم النجدي، والصادر عن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية والمنظمة العربية للترجمة، موضوع التقنيات الناشئة عن المواد المطورة. ومنها على سبيل المثال التقانة النانوية (النانو تكنولوجي)؛ وهي علم وهندسة تكوين مواد وبنى وظيفية، وتجهيزات تقع أبعادها في سلم "النانومتر" (جزء من مليون جزء من المليمتر). وتتضمن مجالا كبيرا من التخصصات والتقانات التي يتوقع أن تكون مطردة الأهمية خلال السنوات المقبلة في تطبيقات الإلكترونيات، والطب الحيوي، وتقانة المعلومات.
يقول نيل لاين، المستشار العلمي للرئيس الأميركي، إن التقانة النووية هي مجال العلم والهندسة الذي سيتمخض عن معظم فتوحات الغد العلمية والتقانية. ويُتوقع أن تصل سوق المواد النانوية إلى 35 مليارا في العام 2020. وثمة جوانب محددة وكيماوية جديدة ومحسنة في المستوى الجزيئي، تأسر خيال الباحثين؛ مثل التأثيرات الإلكترونية والذرية المتبادلة بالتغيرات التي تحصل في السلم النانوي. فتشكيل المادة في مستوى النانومتر يجب أن يمكّن من التحكم في خواصها الجوهرية، من قبيل المغنطة وسعة الشحنات الكهربائية، وعمليات تحفيز التفاعلات الكيماوية من دون تغيير التركيب الكيماوي للمادة.
وتتصف النظم الحيوية ببنية منتظمة في السلم النانوي. وهذا يجب أن يمكّن من وضع مكونات وتجهيزات صناعية داخل خلايا الجسم، لصنع مواد جديدة منتظمة البنية ذات توافق حيوي كبير، محاكية بذلك طرائق التجميع الذاتي الذي يحصل في الطبيعة.
وتمتلك المكونات النانوية مساحة سطحية كبيرة جدا، ما يجعلها مثالية لاستعمالها بصفتها محفزات أو ماصات في التفاعلات الكيماوية، وفي نظم توزيع الطاقة الكهربائية، وفي تزويد خلايا جسم الإنسان بالدواء. ويمكن للمواد المبنية نانوياً أن تكون أقسى وأقل هشاشة من المواد الكبيرة التركيب نفسه.
ويعتقد العلماء أن الجسيمات النانوية ستكون أصغر من أن تحصل فيها عيوب سطحية، وستكون أقسى بسبب طاقتها السطحية العالية. ونتيجة لذلك، ستكون مفيدة لبناء مواد مركبة قوية جدا. ونظرا إلى أن الأبعاد في المستوى النانوي تقل كثيرا عن تلك التي في البنى الميكروية، فإن التفاعلات ستحصل بسرعة أكبر، وهذا ما يؤدي إلى نظم أقل استهلاكا للطاقة وأسرع أداء.
وبدأت التقانات النانوية بالفعل تدخل في المجالات والنجاحات الاقتصادية، مثل إنتاج روبوتات نانوية لمعالجة السرطان، والسيارات ذاتية التجميع، وأنابيب الكربون النانوية.
ومن أهم تطبيقات التقانة النانوية: الطلاءات والأغشية الرقيقة للمعادن والسيراميك، والعوازل الكهربائية والزجاجية؛ بمقاومة اهتراء كبيرة، وقساوة شديدة، وبمعاملات احتكاك شديدة الضآلة. وتستخدم أيضا في الإلكترونيات النانوية لتطوير مجسّات حيوية وكيماوية جديدة ليست ممكنة بالتقانة القائمة حاليا. ويساعد ذلك على كشف جزيئات غير معروفة في مجال التشخيص الطبي وكشف العوامل المرضية.
وطور الباحثون في جامعة "رايس" الأميركية تقنية لتنمية نسج عظام قوية بقدر يكفي لتحمل إجهادات الأنشطة اليومية. وهناك تطبيقات مهمة في المركبات الجوية والفضائية، والأحذية الرياضية، وخراطيم الوقود، وحجرات الاحتراق، وحاويات الخزن شديدة التبريد، وفي إنتاج أسلاك نانوية غير عضوية ذات خواص أفضل، وحماية السطوح من الاحتكاك والاهتراء. إن التقانة النانوية توصف بأنها التقانة الرئيسة للقرن الحادي والعشرين، لأنها ستتيح السيطرة التامة على بنية المادة، على النحو الذي سيطور الصناعات كلها؛ وتقلل التكاليف والطاقة اللازمة للإنتاج والتصنيع. وبالطبع، ثمة تحديات تواجه التقانية النانوية، منها النقل الاقتصادي الآمن، والأمن القومي، كما تحتاج إلى عناية صحية ومعالجة وتشخيصات متقدمة.
(الغد)