باعتذار المواطن (الجرشي) لرئيس الوزراء، الذي تنازل عن كامل حقوقه في حادثة (المنصة)، تُقفل القضية "بساعته وتاريخه"، لكن الحكاية لا تنتهي هنا.. حتماً.
في العلاقة بين الحكومة والمواطن، شوائب متراكمة، أساسها أنْ لا مساءلة ولا محاسبة بغياب دور نيابي فاعل يحقق هذه القيم لصالح المواطن والدولة.
فكيف إذن يُقنع المواطنُ حكومتَه بوجهة نظره، وألمه وبالأعباء التي تثقل كاهله جراء قرارات الإدارة الحكومية التي تستقي روحها من مبدأ الجباية والترصد المروري والضريبي والجمركي والمعيشي والتسعيري، وفرض الغرامات.
وكيف تُقنع الحكومة مواطنَها الغاضب الذي لا يرى بارقة أمل بحل ناجع لأزماته، وبإمكاناته على مواجهة غلاء الأسعار المتواصل والاحتكار والرسوم وتأثير اللجوء السوري والعمالة الوافدة ومزاحمة الآخرين للقمة عيشه.
كيف نقنعه بأن هو، أي المواطن، من يُخطئ بحق نفسه، فُيسرف باستهلاك الماء ولا يرشد استخدامه للكهرباء ولا يحترم إشارات شارع مكة، ويرتكب المخالفات المرورية ولا يعمل في كل المهن ما يتيح للوافدين أن يزاحموه في وظيفته.
كيف تقنعه الحكومة، أي المواطن، أنهُ هو الجاني المتهرب من الضرائب المغتصب للمياه وأسلاك الكهرباء الممتدة بشكل غير شرعي وأنه هو من يرفض التوقيت الذي يوفر لها، أي الحكومة، ما يحسن الظروف الاقتصادية.
وأنه لا يتعاون ولا يتفهم ولا يصبر على إجراءات التصحيح وأنه مُكثرٌ في توجيه الاتهامات وعرض أوجه الفساد الذي أساء لصورتنا في الخارج، وأنه لا يَقنَع بأن حكومته لا تنأى عن العمل دون كلل لصالحه ليل نهار ولخدمة عيونه.
كيف تقنعه إذن، إلا بنتائج استطلاع رأي، زي الفل، يشيد بإجراءات وأفكار وأعمال ورؤى وخطط ومسار وخط وأداء وعمل الحكومة وأنها تسير على الطريق الصحيح.
من إذن ذلك الذي يسير على الطريق الخطأ، ما أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن؟
لا حوار من أي شكل أو لون بين الحكومة والناس، اللهم إلاَّ بما تطرحه مقاسم المؤسسات الرسمية والرسائل المسجلة عليها حين تتوجه للمواطن بأن المكالمة مُسجلة لغايات الجودة، "وأننا في خدمتكم وللتواصل مع من يخدمكم اضغط صفر".. ثم يبقى الصفر في مكانه ولا جواب.
أُذَكر بدعوة الحكومة للاستفادة من منظومة الحكومة الإلكترونية للتخفيف من معاناة المراجعات.. منذ ذلك الوقت، صعبت الإجراءات وزاد تقصير المعاملات.
بعض وزراء الحكومة اقفلوا باب الحوار، وتعب القلب، أصلاً، فاختاروا الصمت حتى في أصعب الأوقات وفي مواجه أزمات تُعنى بها وزاراتهم. وإلا لكنا سمعنا من وزيرة الثقافة ما يُطيب خاطر الفنانين الأردنيين بعد ما أصابهم جراء الهجوم عليهم، أو لكنا سمعنا من وزيرة التنمية ما يشرح لنا كيف تكتظ شوارعنا كل يوم بالمتسولين.
الحوار قائم بين الحكومة والمواطن ولكن على طريقة (نيران صديقة) التي لا نريد لها أن تبقى هكذا.
(الغد)