تركيا: ما هو التنظيم الحقيقي الموازي؟
آيلين كوجامان
16-04-2014 01:58 PM
بدأ الانقسام في تركيا بين الحكومة وحركة غولن مع بداية أزمة الاستخبارات التركية في فبراير (شباط) 2012، عندما وجه المدعي العام التركي اتهامات لقادة المخابرات، الذين شاركوا في مفاوضات وضع حد للأعمال التي يرتكبها حزب العمال الكردستاتي في البلاد، بالخيانة. وصدرت مذكرة اعتقال بحق وكيل ونائب رئيس الاستخبارات السابق هاكان فيدان. في أعقاب ذلك سارعت الدولة إلى وضع مسؤولي الاستخبارات تحت حماية الدولة، ودفعت مذكرات الاعتقال بالبلاد إلى شفير أزمة. وكان تحرك الحكومة صائبا لأن ضعف الاستخبارات التركية قد يؤدي إلى انهيار البلاد.
وبدا واضحا أنه أمكن السيطرة على الأزمة بأقل قدر من الأضرار، لكن الملمح الخفي للأزمة كان التأثير العميق للأزمة على تركيا. فقد بدأت الخلافات بين هذين الحليفين السابقين، في الظهور إلى العلن بعد أحداث متنزه غيزي. وكان قرار إغلاق الكليات التعليمية، والتي ينتمي البعض منها إلى حركة غولن، بمثابة القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير.
كانت تركيا قد شهدت الكثير من الانقلابات العسكرية، بيد أن الشعب التركي لم يشهد مثل هذه الاضطرابات السياسية التي شهدها في أعقاب أحداث غيزي. وكانت نتيجة لعمليات الفساد وحملات التشويه وخطط الانقلاب وتسريبات المكالمات الهاتفية وأعمال التجسس، إجراء وزارة الداخلية 185 تحقيقا، غالبيتها ترتبط بالتسريبات والتجسس.
النظر إلى التسريبات وأحداث التجسس على وجه الخصوص ووجود تنظيم سرية موازية داخل الحكومة كان من الصعب ألا تلاحظ. بيد أن هذا التنظيم الموازي موضع التساؤل ليست حركة غولن.
قد توحد روح المعارضة للحكومة الكثير من الناس سويا، ومثل هذه المعارضة انتقلت إلى الحكومة التركية الآن. وقد استغلت حركة غولن الدعم الذي تحظى به الحكومة، لكنها الآن في هذه المعارضة. وبعبارة أخرى إنهم يؤيدون الأشخاص الذين يمثلون أحزاب المعارضة ونسبة الـ55 في المائة التي تصوت لصالح حزب العدالة والتنمية.
ونتيجة لذلك صارت حركة غولن مجرد جزء من معارضة موازية. وعلى الرغم من التزامهم السرية وأحدثوا انطباعا غامضا لدى الشعب التركي، فإنهم يمثلون الآن تنظيما موازيا. هناك بطبيعة الحال، أفراد من بينهم يعملون على إذكاء روح التطرف لدى المعارضة، لكن ليست هناك حاجة لإلقاء اللوم على هذه الحركة بشكل كامل، بسبب وجود مجموعة صغيرة من الأفراد غير المنضبطين.
إذن، ما هو هذا التنظيم الموازي؟ كما يذكر قراؤنا، فقد تحدثت من قبل في هذا العمود عن أبرز نجاحات إدارة حزب العدالة والتنمية في كشف المنظمة الإرهابية المعروفة باسم إرغينكون. هذه المنظمة المزعومة التي تمكنت من اختراق الحكومة التركية في نهاية الدولة العثمانية، وتمكنت من استخدام الجيش والقضاء بحرية، وكانت المرة الأولى التي يجري الكشف عنها العام الماضي بقرار من المحكمة. وقد أدين كثير من الأفراد في التحقيقات، وسوف يذكر القراء أن قائد الأركان السابق كان من بينهم. بيد أن حقيقة مؤلمة دائما ما كان تتكرر خلال سنوات قضية إرغينكون، وهي أن رئيس هذه المنظمة المزعومة وجناحها القضائي لم يجر التعرف عليهم مطلقا، وظلوا داخل الأجهزة التنفيذية للدولة.
وفي أعقاب قضية إرغينكون توقفت الاغتيالات الغامضة على حين غرة، بيد أن المسؤولين عن اغتيال المفكرين حتى الوقت الراهن لا يزالون غير معروفين. ولا تزال الهجمات التي تعرض لها الكثير من المسيحيين لغزا. وهدف منظمة إرغينكون الإرهابية المزعومة الذي جرى الكشف عنه، هو عزو المسؤولية عن الهجمات إلى الحكومة، ومن ثم الإعداد لانقلاب عبر إعطاء اللجنة انطباعا بأن الحكومة تضطهد المسيحيين، وقد جرى الكشف عن الخطة لكن المخطط لا يزال لغزا.
ورغم التوصل إلى قرار بشأن منظمة أرغينكون قبل بضعة أسابيع، إلا أن المنظمة الإرهابية لا تزال نشطة. وقادرة على التنصت وإذاعة الاجتماعات التي تعقد داخل «الغرف المغلقة» في وزارة الخارجية، وتنظيم توقيف وتفتيش الشاحنات التابعة للاستخبارات، والإبلاغ عن عمليات قبل وقوعها. في الوقت ذاته لم تتخلف عن التعامل مع حزب العمال الكردستاني. والدعم الصامت والقوي لحزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا كان بلا شك قد أفاد بشكل كبير منظمة إرغينكون، والتي كانت تهدف على الدوام إلى تقسيم تركيا.
وما لم يدرك الشعب التركي هذه الحقيقة المؤلمة، ويفطن للهدف الحقيقي لها، ويتوقف عن إضاعة الوقت في أمور لا طائل منها، فسوف تستفحل المشكلة. يجب ألا ننسى أن جماعة إرغينكون وجدت لفترة طويلة للغاية في التاريخ التركي، وتعاونت مع كثير من أجهزة الاستخبارات ولها وجود ملحوظ للغاية.
إضافة إلى كل هذا، يجب ألا ننسى أن حركة غولن، منظمة إسلامية أدت خدمات جليلة على مستوى العالم. والصراع بين هاتين المؤسستين الإسلاميتين القويتين سيؤدي إلى إضعافهما، وسيعمل على تشويه صورة المسلمين في العالم، وهو ما سيكون بمثابة تهيئة الأجواء للمنظمة الموازية الحقيقية، ويخلق فرصا أفضل لها، وهو ما لا ينبغي أن تحصل عليه. ينبغي أن تسود الوحدة لا الاستقطاب تركيا، وينبغي على تركيا أن تبحث عن حل للمشكلة الحقيقية.
(الشرق الأوسط)