لم يكسب النظام السوري معركة معلولا التي خلّصها غير مسكونة، ومدمرة ومنهوبة، ولم تكسب المعارضة بخسارة داعش وغيرها من المنظمات المتطرفة للمدينة الصغيرة.
لقد لعبت مخابرات الأسد ومفاتيحها في داعش لعبة منحطة، إذ اتاحت للمتطرفين الاستيلاء على معلولا والتمثيل بجثثها، واحتجاز راهباتها، ونهب وتدمير كنائسها، واللعبة معروفة ومحسوبة، وهي إرهاب المسيحيين، ومحاولة تجنيدهم إلى جانب النظام. وإساءة سمعة المعارضة!!.
لكن هذا «الذكاء» المنحط لم يؤد إلى كسب المسيحيين، وإنما إلى تهجيرهم.. ولا نظن بعد سبعة أشهر من احتلال داعش لمعلولا أن سكانها كلهم سيعودون إليها. ولماذا يعودون إذا كان بلدهم سيبقى لعبة تسلم وتسليم بين المخابرات والزمر المتعصبة!!.
في سوريا، كما في العراق، انتج الاحتلال الأميركي عصابات قدمت من إيران، لإقامة حكم «الأكثرية» الشيعية، واقامة دولة العراق الآخر، وكانت النتيجة ظهور التطرف من المذاهب والعناصر في بلد السُنّة والشيعة والعرب والأكراد والآشوريين والصابئة والتركمان وغيرهم من منظورة الطيف العراقي الذي صنعت تعددياته أجمل وأقوى ما في البلد العظيم!!.
وفي سوريا خلق حكم الطائفة تمزقاً هائلاً في بنية المجتمع السوري المتعدد المذاهب والأعراق. فقد لا يعرف المراقب البعيد عن سوريا أن الأكثرية هي الأقليات، وأن الوطنية السورية حققت الاستقلال لكن الديمقراطية هي التي صنعت النسيج السوري المتميز. ومنذ انقلاب حسني الزعيم عام 1949، انهار البناء بتسعة وعشرين انقلابا عسكريا أوصلت ملازمين: الملازم حافظ الأسد، والملازم صلاح جديد إلى قمة القيادة العسكرية. وأوصلت التنظيم العسكري (العلوي) إلى (السلطة)!!.
لم يعد المسيحيون جزءاً من الخارطة المجتمعية العراقية وكذلك التركمان والصابئة.. ويشاركهم في هذا الأكراد الذين ابقوا على علاقة غير واضحة مع بغداد.. لكنهم عملياً يعيشون إلى جانب العراقيين وليسوا داخلهم وها هم سُنّة خمس محافظات يلتمون لإرساء مكون لهم إلى جانب المكون العراقي أو الشيعي لا فرق!!.
لعبة معلولا يفهمها النظام المتهافت على أنها انتصار، وتفهمها المعارضة الممزقة على أنها خسارة لداعش أو النصرة أو غيرهما. لكن سوريا هي الخاسرة الوحيدة من تهجير المسيحيين، وتهجير قرية قدرت على الاحتفاظ بلغة آرامية عمرها الحضاري ألفا عام!!.
خسرنا فلسطين بانتصارات أنظمة مصنوعة تماماً مثلما خسرنا قبلها اسكندرون بمؤامرة فرنسية، وإمارة المحمرة بمؤامرة إنجليزية (كل ذلك في عام واحد 1938). والحصيلة بغض النظر عن الفاعل، خسرنا أجزاء عزيزة من الوطن.. وها نحن نخسر الوطن!!.
(الرأي)