الأحزاب: التحدي ليس في القانون على أهميته
ابراهيم غرايبه
16-04-2014 02:16 AM
مؤكد أن قانونا عادلا وعصريا للأحزاب هو مطلب ضروري وشرط أساسي لحياة سياسية قائمة على التعددية وتداول سلمي للسلطة، ولكنه شرط ليس كافيا، فلا تزدهر الحياة السياسية فقط بالقوانين العادلة، كما الأمر بالنسبة لكل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحال أن الاحزاب حالة قائمة ومزدهرة بذاتها، وهذه الحالة تسبق القانون، تفسره او تبرره، والقوانين بعامة تعكس الواقع والتقاليد والأعراف والحالات المتشكلة بفعل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومن ثم فإن الأحزاب السياسية إذا كانت تواجه تحديات في بناء قواعدها وقدرتها على اكتساب التأثير والتأييد فإن القانون لن يساعدها في ذلك، ربما يساهم القانون في تعطيل حالة حزبية مزدهرة أو ناشطة ولكنه لن يساعد حالة خاملة، وأما وظيفته فهي بالطبع تنظيم الحالة القائمة، وليس تعطيلها ولا إنشاءها.
تزدهر الأحزاب في منظومة تتكون من ثلاثة مكونات رئيسية، أولها مجتمعات قائمة ومتشكلة بالفعل في بلدات ومدن وأحياء ومناطق تسعى لأجل مصالحها واحتياجاتها، في الخدمات الأساسية وتخطيط بلداتها وفي إدارة مؤسساتها التي يفترض أن تحقق هذه الاحتياجات والمصالح وتحميها وتجددها، التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والعبادة والإعلام والثقافة والرياضة والمرافق والترفيه والاستهلاك. وفي ذلك تتجادل الاتجاهات والأفكار وتظهر الأحزاب والقيادات المحلية الفردية والفكرية والحزبية والخدماتية، وتتجادل وتتنافس، فإذا فشلت الأحزاب في تحقيق حضورها وتأثيرها في المجتمعات والمدن والبلدات فهي تفقد قواعدها الاجتماعية الأساسية التي توصلها الى الانتخابات النيابية والبلدية، وإذا لم تجد المجتمعات مصالحها مع الأحزاب السياسية فإنها تنشئ قياداتها ونخبها من الأوساط والشخصيات التي تظن أنها تساعدها، ولكن المشكلة في تشكل وعي الوجود لدى هذه المدن والبلدات ووعيها باحتياجاتها ومشكلاتها.
والمكون الثاني هو جماعات الأعمال والمهن التي تسعى لحماية مصالحها وتنظيم نفسها والدفاع عن مكتسباتها والتأثير في السياسات والتشريعات والأسواق، فإذا كانت الأحزاب تعبر عن تطلعات وفرص هذه الجماعات فإنها بطبيعة الحال تزدهر وتنشط، وإذا كانت هذه الجماعات تجد مصلحتها مع الأحزاب السياسية فإنها تكون المزود الرئيسي للأحزاب بالقيادات والتنظيم والتمويل.
والمكون الثالث هو الشباب في طاقاتهم وحيويتهم وغضبهم وتمردهم وسعيهم للمشاركة في حركة التطوع والخدمة والثقافة والفنون والرياضة، فإذا استطاعت الأحزاب أن تنشئ برامج ومؤسسات شبابية تنتظمها حركة فنية وأدبية ورياضية تلهم المجتمع والجيل وتحركه نحو القضايا العامة والجدل السياسي والاجتماعي، فإنها بطبيعة الحال تشكل حالة سياسية اجتماعية مشجعة للتعددية السياسية والتنافس السلمي على السلطة والبلديات والنقابات والجمعيات، كما أنها بذلك تكرس الرابطة القانونية في المجتمعات بدلا من الروابط القرابية والدينية التي لن تنشئ حياة سياسية وحزبية حتى لو نجحت في استقطاب المؤيدين والمتحمسين.
(الغد)