في النفاق والارتزاق وأدواتهما !!
د. زيد نوايسة
15-04-2014 02:47 PM
في النفاق والارتزاق وأدواتهما !!،لا يَسْلَمُ الجَسَدُ النَّحِيلُ مِنَ الأَذَى إنْ لَمْ تُنَافِقْ!!
جاء في معجم المعاني الجامع في معنى النفاق انه : إِظْهَارُ الْمَرْءِ خِلاَفَ مَا يُبْطِنُ
إخفاء الكفر في الباطن والتَّظاهر بالإيمان ، ويقول رب العزة في محكم التنزيل واصفا المنافقين: «وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ(68) كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ» (التوبة:(68و69).
لقد تأسس مع الزمن للنفاق ثقافة ورواد وشيع ومنظرون، وساد منطق "أن هبت رياحك فاغتنمها"، وأصبحت مدخلاً للارتزاق والتكسب، ويبدو أن الموروث الشعري والأدبي زاخر بالصور الجمالية والشواهد ومواطن البلاغة التي لا ينفك القائمون على مناهج اللغة والأدب بتذكيرنا بها وغرسها في الأجيال حتى يتأصل هذا المفهوم والتراث ولا يندثر باعتباره ثروة قومية يتوجب المحافظة عليها!!، والمثير للدهشة، أن كلا الطرفين المنافق والمنافق له يعرف ويصدق ويستمتع بالدور، بل أن الكثير من أصحاب المواقع والمسؤولية والطامحين وما أكثرهم، لا يمكن أن يقبل أي موقف أو رأي أذا لم تسبقه ديباجة طويلة من الوصف الأسطوري الخارق لبطولاته وانجازاته، وكأنه عاد للتو بعد أن فتح الدردنيل، أو حرر مضيق البسفور، أو نقض نظرية اينشتاين النسبية، تلك الإمكانيات الكرتونية التي يعرف هو قبل غيره ضآلتها وفقرها وبؤسها!!، ولكنه الزمن الرديء والمنفلت من أية معايير وضوابط، الذي تقدم فيه المنافق على المتفوق، والمزاود على المنتمي، والحربائي الموقف على الثابت الواضح.
وأخال لو أن العمر طال بالكاتب المصري الكبير الراحل يوسف السباعي وعاش زمننا هذا بكل تناقضاته وأبرزها اتساع ظاهرة النفاق بكل عناوينه ومفرداته وأدواته التي تكاد تملى وتسيطر على حياتنا، لأصدر الجزء المعدل رقم مائة من كتابه الشهير "ارض النفاق"، لان معين النفاق متجدد ومتطور لا ينضب، فقد عجزت كل المضادات الحيوية والأخلاقية عن الحد من هذه "الظاهرة"، ذلك أنها تتكيف وتتحور كالأوبئة والطفيليات حسب كل مرحلة وبما يتناسب مع متطلباتها وضروراتها وظروفها، والتي أصبحت واقعاً اجتماعياً وسياسياً وثقافياً يسيطر على مجتمعاتنا بشكل يجعل الحليم حيران، وتدعو كل صاحب مبادئ وضمير وقيم في الحياة أن يبتعد وينزوي في عالمه الخاص!!.
أتابع على مواقع التواصل الاجتماعي(وهي مؤشر مهم للغاية بالمناسبة)، وصلات المديح والثناء والدجل الأبيض والأسود، التي يغدقها بعض المنافقين على المسئولين الحاليين أو من ساقتهم الأقدار سابقاً لتلك المواقع وان كانت الوتيرة تزيد لمن هم في المواقع حالياً، ولكن لا بأس من بقاء الخطوط مفتوحة على من ينتظرون العودة قريباً، فاشعر بأننا لم نتعلم بعد وان العقلية الانتهازية التي تصنم الأشخاص وتعطيهم طابع القداسة هي المسيطرة وهي التي ستوصل وتعظم وتبجل من لا يستحق فالمتوالية النفاقية والارتزاقية عصية على الاختراق على ما يبدو!!.
ختاماً،ربما من المناسب أن نعود للسخرية ونختم بما قاله الشاعر العراقي الساخر أحمد مطر عن النفاق في إحدى قصائده لأنها تشخص بعض من حالنا هذه الأيام!!:
نَافِقْ وَنَافِقْ ثمَّ نَافِقْ ، ثمَّ نَافِقْ
لا يَسْلَمُ الجَسَدُ النَّحِيلُ مِنَ الأَذَى إنْ لَمْ تُنَافِقْ
نَافِقْ
فَمَاذَا في النِّفَاقِ إذَا كَذَبْتَ وَأَنْتَ صَادِقْ؟
نَافِقْ
فَإنَّ الجَهْلَ أَنْ تَهْوِي
لِيَرْقَى فَوْقَ جُثَّتِكَ الْمُنَافِقْ
لَكَ مَبْدَأٌ ؟ لا تَبْتَئِسْ
كُنْ ثَابِتَاً
لَكِنْ .. بِمُخْتَلَفِ الْمَنَاطِقْ
وَاسْبِقْ سِوَاكَ بِكُلِّ سَابِقَةٍ
هَذِي مَقَالَةُ خَائِفٍ ..مُتَمَلِّقٍ .. مُتَسَلِّقٍ
وَمَقَالَتِي : أَنَا لَنْ أُنَافِقْ
حَتَّى وَلَوْ وَضَعُوا بِكَفَيَّ
الْمَغَارِبَ وَالْمَشَارِقْ ..!!