صندوق البحث العلمي والمشاريع البحثية الوطنية .. *أ.د.عدنان الحراحشة
15-04-2014 12:11 PM
يعد صندوق البحث العلمي التابع لوزارة التعليم العالي أحد الأدوات المهمة في تشجيع وتحريك وتنشيط البحث على مستوى الوطن ممثلاً بجامعاته ومؤسساته البحثية المختلفة في القطاع الخاص والعام. ومع توفر الموارد المالية للصندوق بحكم القانون, والذي أُقر مؤخراً بتحويل ما نسبته (1%) من أرباح الشركات والمؤسسات إلى الصندوق والتي من المتوقع أن تصل إلى حدود الخمسة ملايين دينار سنوياً.
وعلية فإن إحدى أهم العقبات أمام انطلاقه حقيقية لمسيرة الصندوق في أداء مهمته التي أنشئ لتحقيقها تكون قد حُلّت. ولمّا كانت عجلة البحث العلمي في الدول المتقدمة تحركها حاجة هذه المجتمعات الاقتصادية من خلال السعي المستمر لتطوير أساليب وأدوات الإنتاج للوصول بالمنتج إلى درجة متقدمه من الكمال, وهذا بدوره أدى إلى وجود حاجة مستمرة لدى القطاعات الاقتصادية المختلفة في هذه الدول وعلى رأسها القطاع الصناعي للإستعانه بالباحثين والعقول النيّره وحل المسائل التقنية المختلفة فكانت هذه الشركات هي المُبادرة في طرح مشاكلها المختلفة على المؤسسات البحثية والتعاقد معها على إنجاز التطوير المطلوب وبذلك اكتملت حلقة البحث العلمي في تلك الدول من حيث وجود حاجة ماسّه اقتصادية وتوفر دعماً مالياً ووجود مؤسسات بحثية تبيع هذه (الخدمة البحثية) إلى هذه الشركات, وبذلك تعود الفائدة على الجميع الباحثين والشركات المهتمة والمجتمع والدول .
فلم يعد البحث العلمي لديهم ترفاً أو لغايات الترقية الأكاديمية (كما هو الحال عندنا) بل أصبح يعكس ويركز على القضايا التي تُهم القطاعات الاقتصادية المختلفة في تلك البلدان ومنها القطاع الصناعي فأصبحت معظم مواضيع الدراسات العليا لمستوى الماجستير والدكتوراه في المجالات الهندسية هي مشاكل صناعية , يجري حلّها بحثياً وبطلب ودعم من الشركات الصناعية المختلفة.
ولكن ما نواجهه على أرض الواقع في الدول غير الصناعية والتي منها الأردن هو عدم وجود بيئة بحثية مناسبة وعدم اكتمال حلقة البحث العلمي , فلا توجد شراكة حقيقة مبنية على (العرض والطلب) بين القطاع الصناعي أو القطاعات الاقتصادية المختلفة وبين الباحث الأردني ممثلاً بجامعته أو مؤسسته البحثية.
ولا يُمكن أن يتطور البحث العلمي دون وجود الحاجة المتبادلة للتطوير (والتي تُعد القوة الدافعة للبحث العلمي) بين من يرغب بالتطوير وبين من يستطيع من خلال البحث العلمي إنجاز هذا التطوير.
وعليه فأن إدارة صندوق البحث العلمي مدعوه لتحفيز هذه القوة الدافعة ليس فقط من خلال تحديد أولويات البحث العلمي التي يمكن دعمها من قِبل الصندوق (وهذا ما تم فعلاً) وترك الباب مفتوحاً لرغبة الباحثين في طرق هذه الموضوعات وفقاً لرؤية الباحث نفسه (ولحاجته لوجود عدد من الأوراق البحثية يقدمها لاحقاً لغايات الترقية في جامعته) , ولكن لا بُد من تطوير خطة عمل للصندوق ولتكن لمدة الخمسة سنوات القادمة مثلاً يُحدد فيها الصندوق وبالاشتراك مع القطاع الخاص (الذي أصبح الداعم الرئيس للصندوق) مواضيع بحثية وطنية ذات أهداف محددة ومتوقع منها عوائد واضحة ويتم طرحها على الباحثين ضمن جدول زمني محدد ووفق شروط واضحة .
لحل مشكلات محددة يعاني منها الوطن في القطاعات الاقتصادية المختلفة فعلى سبيل المثال لا الحصر تعاني الشركات الأردنية (في مجال تعدين: البوتاس والفوسفات وفي مجال صناعة الأسمنت والأسمدة وتوليد الكهرباء وشركات المياه ومعالجاتها والشركات التي تعمل في مجال موارد الطاقة -المتجددة وغير المتجددة) من مشاكل مزمنة عالقة لا تجد حلاً على الرغم من صرف هذه الشركات عشرات الملايين على شكل مكاُفآت لخبراء أجانب يستدعوا هنا أو هناك أو لتغطية نفقات سفر لمهندسيها وموظفيها للتواصل مع (الشركات الاستشارية الأجنبية) المعتمدة لدى الكثير من شركاتنا الوطنية .
فلماذا لا يقوم الصندوق بتحديد هذه المواضيع بالتواصل مع الشركات نفسها وطرحها على الباحثين الأردنيين كمشاريع بحثية وطنية لها أولوية في الدعم العلمي بحيث يتم التنافس بين الباحثين من اجل تنفيذها , ويُصار من خلالها إلى التأسيس لشراكة حقيقية مستدامة بين الشركات والباحثين المتميزين في جامعاتنا ومؤسساتنا البحثية القادرين على التطوير وتقديم الحلول. ولنا في مؤسسات الاتحاد الأوروبي الداعمة للبحث العلمي العبرة. فهذه المؤسسات لديها مشاريع محددة تُطرح على الباحثين لتقديم مقترحاتهم البحثية حولها وضمن شروط محددة مثل برامجFP7 وHorizon 2020 التي تشترط شراكة بين الباحثين من موسسات اوروبية مختلفة وباحثين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للتعاون البحثي في مشاريع يحددها البرنامج مسبقاً تخضع لسلسلة من الإجراءات والتقييم لاختيار الأفضل منها ودعمها مادياً.
ومن خلال عملي الأكاديمي والبحثي في عدد من الجامعات الأردنية وتواصلي مع القطاع الصناعي فأن هناك العديد من المشاريع والمواضيع التي يمكن للصندوق تبنيها كمشاريع وطنية ومنها مثلاً:
1- رفع كفاءة عملية الاحتراق لتوليد الطاقة الحرارية المستخدمة (مصانع الأسمنت , مصفاة
البترول , محطات توليد الطاقة الكهربائية ).
2- رفع كفاءة الأنظمة المهجنة لتوليد الطاقة من الطاقة المتجددة.
3- تطوير عمليات احتراق الصخر الزيتي وتقطيره ومعالجته.
4- اقتراح حلول لمشاكل الملاّحات في صناعة إنتاج الأملاح من البحر الميت.
5- تطوير عمليات معالجة المياه العادمة في المدن والتجمعات الأردنية وإعادة استخدامها .
6- معالجة المياه الجوفية المالحة وإعادة استخدامها .
7- اقتراح حلول لتلوث الهواء في ميناء العقبة بغبار الفوسفات الأردني أثناء التحميل.
8- الاستفادة من المخلفات الصناعية كالتي تنتج من مصانع حامض الفوسفوريك ومن مصانع الحديد
9- الاستفادة من الموارد الطبيعية كرمال السيليكا والكاولين وغيرها وتسخيرها في صناعات تحويلية حقيقة
هذا غيض من فيض من المشروعات المحددة المقترحة التي يمكن للصندوق تبنيها بعد دراستها مع أصحاب العلاقة وطرحها وبشكل دوري على الباحثين واختيار أفضل مقترحات المشاريع المتقدمة ودعماً وضمن شروط يقرها الصندوق لهذه الغاية ، والتي قد يكون منها أن يتضمن الفريق البحثي باحثين من الشركة نفسها صاحبة المشكلة بالإضافة إلى الباحث الرئيس الذي قد يكون من القطاع الأكاديمي والعكس صحيح. ولكي لا نغفل أيضا عن الأفكار الإبداعية للباحثين انفسهم يمكن طرح برامج دعم موازية يمكن ان نسميها مشاريع بحثية ابداعية حرة كالتي يتم دعمها في الوقت الحاضر من قبل الصندوق.