لمن لا يعرف الفقيد الدكتور محمد الجمل ..
12-04-2014 01:48 AM
عمون - تعيد عمون نشر كلمة ورد غطاها مع د. محمد الجمل .. ابرز الزاهدين في المناصب والاضواء بالاردن ..
المادة الصحفية التي نشرتها الزميلة المجد عن الفقيد الكبير في العام 2008..
4/15/2008
الحلول السلمية استنفدت اغراضها منذ زمن بعيد، والمقاومة هي الحل ..الدكتور محمد الجمل شخصية سياسية وطبية واجتماعية متميزة وشديدة الحضور لدى الاوساط النخبوية والشعبية على حد سواء، حيث يحتفظ بصداقات وعلاقات حميمة مع مروحة واسعة ومتنوعة من الاردنيين والعرب·
وطني بنكهة معانية، وقومي سكر قليل، ولكنه انسان بكل ما في الكلمة من معنى، لأنه كثير الاستعمال لضميره النقي الذي مازال حاضراً منذ عشرات السنين، والامثلة كثيرة، اولها انه قد عاد من دولة الامارات العربية صفر اليدين، بعد ان عمل هناك طبيباً اخصائياً لمدة 15 عاماً·· واطرفها انه قد حمل اسرته ذات شتاء في سيارته من منزله في مرج الحمام الى مخيم الحسين، ثم دخل مع اسرته الى احدى البراكيات التي كانت تدلف بغزارة على ساكنيها، وهنا قال لاسرته: انتم بكيتم وانزعجتم بشدة جراء تسرب بعض الدلف من سقف منزلنا، فماذا تقولون الآن بعد ان رأيتم كيف تتعامل الاسر الصابرة والصامدة مع مزاريب الدلف؟؟
مع هذا "الجمل" الزاهد في الاضواء، وفي المناصب معاً، كان لنا هذا الحوار "البرقي" الشديد الايجاز·· ذلك لانه ماطلنا طويلاً قبل الموافقة على الحوار، ثم "اطلع روحنا" اثناء الحوار وبعده·· واليكم التفاصيل··:
+ يود قراء المجد التعرف على سيرتك الذاتية·
- ولدت في حي المحطة في عمان عام 1939 من الزوجة الثانية لأبي بعد زواجه عشر سنوات من الزوجة الأولى التي لم توفق ولم ترزق بأي أطفال، وعيت على الدنيا في محطة سكة حديد القطرانة، كان والدي مسؤول المحطة التي كان يشحن منها في حزيران قطارين يومياً محمله بالقمح الذي عرفت بعد سنوات أنه كان يُشحن إلى أوروبا، وهو نتاج زراعته في الكرك، وكانت شركة سبينز البريطانية تدفع الثمن بالقطرانة ليرات ذهبية عثمانية، ثم نقل والدي ناظراً لمحطة سكة معان والتحقت بمدرستها الوحيدة التي كان مديرها المرحوم الاستاذ عبد الغني الريماوي الذي علمنا الأناشيد الوطنية ثم جاءنا مدير بعده وهو المرحوم الأستاذ يوسف الجيوسي، وصباح ذات يوم قرأ علينا في طابور الصباح من مجلة كان يحملها، قصة الشاب اليافع نبيل منصور الذي كان في كتائب الجهاد بقيادة أحمد عبد العزيز جنوب فلسطين، وكيف استشهد لأنه افتدى نفسه لتفجير حقل ألغام فاتحاً الطريق للمجاهدين ليتقدموا شمالاً، وصفقنا جميعاً وقرأنا الفاتحة لروح الشهيد ثم وقف أحدنا وقرأ بصوت عال قصيدة عمر أبو ريشة الجديدة:
أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم
ثم تتوالى السنوات فالثانوية العامة والتوجيهي المصري والعمل كمدرس في عمان بمدرسة ابتدائية زارها وزير المعارف المرحوم الشيخ الشنقيطي، حيث دربنا أحد الصفوف على الهتاف لجلالة الملك· وزار الشيخ الشنقيطي طلاب ذلك الصف الذين هتفوا كما دربناهم وتحدث معهم معالي الوزير فاستجابوا له إلا أن تلميذاً رفع يده طالباً الإذن بالكلام فسمح له الوزير بذلك، فقال التلميذ بعفوية عجيبة: أستاذ!"الولد اللي جنبي بقول إنه بحب جمال عبد الناصر"· فاستشاط معالي الوزير غضباً واتجه إلى مدير المدرسة وإلينا مدرسي المدرسة صارخاً وشاتماً سوء التربية وقلة الأدب وغادر المدرسة وهو شديد الانفعال·
ثم السفر إلى دمشق للالتحاق بأي جامعة فوجدت من ينتظر للسفر إلى بغداد بعد انقلاب تموز 1958 حيث مُنع الأردنيون من دخول العراق، ورافقتهم لمقابلة المرحوم شفيق رشيدات الذي هاتف صديقه جابر العمر الذي أصبح وزيراً للتربية والتعليم بعد أن كان لاجئاً سياسياً في دمشق والذي قال للأستاذ شفيق من تكفله سنعطيه إذن دخول للعراق، وهكذا كان، ولا زلت احتفظ بجواز سفري المكتوب عليه بكفالة شفيق رشيدات، والتحقت بكلية الطب في بغداد حتى استباح الشيوعيون الموصل في آذار 1959 وقتل كامل القازنجي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي واستحالت بغداد قلعة محتلة بالشيوعيين وصعب علينا الذهاب إلى الكلية لأكثر من شهر مما دفعنا لمغادرة العراق والالتحاق بجامعات الجمهورية العربية المتحدة·
وصلت القاهرة وقبلت في كلية طب عين شمس وكان الأستاذ هاني خصاونة قد سبقنا بأسابيع وقابل المرحوم أكرم الحوراني وكان نائباً للرئيس جمال عبد الناصر والذي أصدر أمراً رئاسياً بقبول كل من يعود من العراق واعتباره مبعوثاً على حساب الدولة·
وعشت الزمن الناصري الجميل حتى تخرجت في صيف 1965 والتحقت بالقوات المسلحة الأردنية فوجدت في الخدمات الطبية الملكية برنامج تدريب طبي ممتاز، واخيراً استقر بي المطاف بكلية الطب في الجامعة الاردنية·
كان النظام الناصري يتعامل مع كل الطلاب العرب بمودة وأبوة، وكانت القاهرة مليئة بهم وبكثير من الطلاب الأفارقة·
هل تعتبر نفسك ناصرياً؟
- نعم، ولكن المرحوم جمال عبد الناصر كان يضع ثقته المطلقة في شخصين لا يستحقان تلك الثقة، أحدهما محمد حسنين هيكل والثاني المشير عبدالحكيم عامر، والحديث عنهما يطول وليس هذا مجاله·
أنت شخصية وطنية معروفة، فلماذا لم تدخل السلك الرسمي أو الحكومي أو النيابي أسوة بكثير من الشخصيات الأردنية؟
- لقد اخترت العمل الخاص في عيادتي، ولم أجرؤ على الترشيح للنيابة تجنباً لاحتياج الناس من الناخبين·
هل تعتبر نفسك من الأطباء الأدباء أو المثقفين بحكم تنوع ثقافتك وعمق أفكارك؟
- قيل في التراث "نهمان لا يشبعان، طالب مال، وطالب علم"، وقد اخترت الثانية، فأنا كثير القراءة في كل مناحي المعرفة، أما قصة أديب أو مثقف فالحكم ليس عندي بل عند الأصدقاء·
أنت من أوائل الأردنيين الذين عملوا في دول الخليج ولمدة طويلة ودون مردود يذكر، ما هو الدرس الذي خرجت به من هذه التجربة؟
- إن راتب الوظيفة لا يصنع ثروة· وأنا مع الشاعر الذي قال:
لولا المشقة فاز الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتّال
يعاني الأردن وضعاً سياسياً واقتصادياً حرجاً، هل تعتقد أن الأسباب ذاتية تتصل بمستوى صناعة القرار أم أنها موضوعة تتعلق بموارد الأردن وإمكاناته؟
- الأردن عاش عقداً من الزمن بمعونات لا بأس بها بعد مؤتمر بغداد 1978 الذي عقد رداً على زيارة السادات للقدس، ثم تبع ذلك هبوط الدينار وتوالت أحداث جسام لم تكن في الحساب، أثرت كثيراً على الاقتصاد الأردني وأرجو أن لا ننسى أن الأردن مرهق بحكم قلة الموارد (لا نفط ولا ماء مع محدودية الأرض القابلة للزراعة)، والموقع الجغرافي جلب على الأردن معاناة شديدة فهو يقع بين أكثر مناطق العالم صراعاً، فلسطين من الغرب والعراق من الشرق، وسيستمر الصراع والتوتر لعديد من السنوات·
هل تعتقد أن خرافة الحلول السلمية للقضية الفلسطينية قد استنفدت آخر فرصها وأغراضها أم أن هناك في الأفق مجالاً ومتسعاً لمثل هذه الحلول؟
- الحلول السلمية استنفدت أغراضها منذ زمن بعيد ولنعد لقراءة كتاب الدكتور محمد الفرا "سنوات بلا قرار" أو لمذكرات الدكتور أشرف غربال ممثل مصر في الأمم المتحدة منذ ثلاثين سنة·
إسرائيل دولة اسبارطية لا تريد السلام·
للمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق حضور كبير وفعاليات عالية، فهل تعتبر اذن ان المقاومة هي الحل لإجهاض المشاريع الاحتلالية الصهيونية والأمريكية؟
- لا يوجد بديل لذلك ولكن أتمنى أن تنال المقاومة دعماً أكثر حتى تستمر·
لديك صداقات وعلاقات شديدة الاتساع ومن مختلف المذاهب السياسية والمشارب الاقتصادية والاجتماعية، كيف استطعت جمع كل هذه الباقات المتنوعة كل هذا الوقت؟
- مهنة الطب هي السبب، من خلالها قدمت خدمات كثيرة جداً جعلتني أنسج علاقات إنسانية مع الكثيرين، شيء وحيد خيب أملي كثيراً هو تفشي المسلك النرجسي لدى الصفوة الأردنية·
أنت تعتقد أن عبد الناصر راح ضحية مؤامرة اغتيال ولم يمت بالأزمة القلبية الاعتيادية، هل لديك أدلة في هذا الشأن تفوق ما لدى السلطات والشخصيات المصرية والناصرية؟
- أؤكد ذلك وبشدة، نعم لدي ما تقول، مفتاح بسيط للموضع لماذا مات عبد الناصر في ذكرى الانفصال، ولماذا بعد أن أصابه الهبوط في مطار القاهرة لم ينقل إلى مستشفى كبري القبة العسكري الذي لا يبعد عن منزله إلا مئة متر فقط، وإذا أردت (وعندك الجرأة) الموضوع موجود وموثق به الأدلة العديدة·
عن الزميلة الملتزمة "المجد".