في الشرق على الأغلب وعندنا نحن العرب بخاصه من الصعب ان تتعرف على الشخصية الحقيقية للإنسان كما خلقها الله تعالى ، فالإنسان عندنا يعيش حياته بثلاث شخصيات متلازمة، الأولى خاصة جداً ولا تظهر إلا إذا كان الإنسان يشغل المكان لوحده دون أية رقابة من احد، والثانية تتجاوز حدود خصوصيته بقليل وتظهر بوجوده مع أسرته،أما الثالثة فتتجاوز هذا وذاك وتظهر بوجوده في الأماكن العامة او الشارع او المكتب وتتجلى اكثر في المناسبات العامه.
الشخصيات الثلاث متنافرة وفي صراع مستمر مع الذات وهي مصدر تعب لصاحبها ،فإذا ما كان الإنسان في عالم اخر مثلا يعيش حياته بشخصية واحده مريحة له نفسيا وجسديا، فان الإنسان العربي اشد معاناة عندما يجد نفسه وبخياره وخيار مجتمعه مجبرا لان يعيش حياته بثلاث شخصيات لكل منها شروطها والتزاماتها وطقوسها، وفي ذلك إرهاق نفسي وجسدي له وللآخرين من حوله .
هذا الواقع الحياتي للإنسان العربي ينعكس بالضرورة على سلوكه وتصرفاته مع محيطه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلى كل صعيد من أنشطة الحياه، فهو على سبيل المثال وبمقتضى الشخصية الثالثة يبالغ في الترحاب بزار له راجيا إياه المكوث وقتا أطول كي يأنس بوجوده لا بل ويرجوه ان يكرر الزيارة ،ولا يتردد ان يلعن اللحظة التي أتت به اليه فور خروجه
من منزله او مكان عمله ، وهو قد يبالغ في دعوة اخر الى الغداء او العشاء او الزيارة وهو يعرف والمدعو نفسه يعرف ان ذلك مجرد مجاملة لا جدية فيها على الإطلاق .
هذا الواقع الاجتماعي المرهق يظهر كذلك في المجاملات السياسية وصداها الإعلامي عندما يواصل المحرر الإخباري مواجهة جمهور المستمعين والمشاهدين بأخبار تقول ان الجانبين بحثا العلاقات الأخوية الراسخة بين البلدين الشقيقين وأكدا على عمق علاقات الأخوة بينهما بمعنى ان ما يدور في الاجتماعات شيء وما يقال في الإعلام العربي للجمهور شيء اخر يخلو من خبر او معلومه.
حتى في الجانب الاقتصادي فنحن العرب لا يمكن لنا ان نثق بمصداقية السعر المعلن لسلعة ما ، فلا بد من المفاضلة حتى يمكن التوصل الى اتفاق.
من هنا تنجم معاناتنا في الحياه، فالأمر يتطلب وقتا طويلا وجهدا وكلفة عالية وإرهاقا نفسيا وحتى جسديا في ظل ثلاث شخصيات يعيش بها الإنسان العربي حياته، وفي ذلك خسارة للعمر ، فانت مضطر لان تعيش حياتك وحياة غيرك معا في الوقت ذاته ،فلا انت عشت حياتك كما أرادها الله سبحانه ، ولا تركت غيرك يعيش ، ولا هو تركك تعيش ، بمعنى ان العربي بهذا الواقع المر يعيش ثلث عمره فقط ، أما الثلثان الآخران فلخلق الله من معارفه وأهل مجتمعه، وفي ذلك بالضرورة السبب الأكبر لمعاناتنا جميعا ،ولذلك نحن ببساطة لا نعرف ان نعيش وتذهب حياتنا هدرا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، مع ان الله جل في علاه لم يهب أحدا من عباده كما وهبنا نحن العرب من خيرات وثروات مادية ومعنوية لا أعظم منها ثروة عندما جعل بلادنا ارض الرسالات ومهبط الوحي واختزن باطنها بأعظم الثروات ، مثلما جعلها محجا للبشرية كافة ،فهل من تكريم أعظم من هكذا تكريم الهي عظيم .!