خسارة حمص مقابل خسائر اللاذقية وحماة والقنيطرة
ياسر ابوهلاله
10-04-2014 02:27 AM
خلال أيام، يكمل النظام السوري سيطرته على حمص، ويعلنها محررة من العصابات الإرهابية. في الواقع، لم يعرف التاريخ البشري صمودا أسطوريا كالذي صمدته حمص المحاصرة من زهاء عامين (600 يوم)، حيث لم يبق حجر على حجر، ولم يبق بشر.
وكل ما أنجزه "جنيف2" هو إخراج المدنيين المحاصرين؛ أي إتمام التطهير العرقي لواحدة من حواضر الشام التاريخية.
سيعيد النظام السوري صور بشار الأسد وهو يدخل بابا عمرو فاتحا، وسيضاف ذلك إلى الانتصارات التاريخية في يبرود والقصير؛ وما هي في الواقع إلا حرب طائفية تعيد رسم خرائط "سايكس-بيكو" طائفيا.
لم تفترِ "نيويورك تايمز" عندما نشرت خرائط "سنة ستان" و"شيعة ستان"؛ هي رصدت واقعا يرسم بدماء تنزف يوميا. والبغدادي والمالكي يتقاتلان في سورية كما يتقاتلان في العراق، وفي مواقع التواصل الاجتماعي مواد لا حصر لها تظهر الهوية الطائفية للمعركة.
في الحرب الطائفية الإقليمية، تضيع خطوط "سايكس-بيكو" بين الفلوجة وحلب، كما تضيع بين الحوثيين في صعدة والعلويين في اللاذقية، بقدر ما تنتصب جدران عازلة بين طرابلس وجبل محسن، وبين الضاحية والطريق الجديدة في لبنان. كما يصبح الاتفاق النووي الإيراني أهم من اتفاق الطائف لبنانيا، وتكتسب الانتخابات التركية المحلية أهمية أكثر من انتخابات رئاسية في بلدان عربية.
في "سايكس-بيكو" الجديدة، فُرغت حمص ودُمرت تماما، وسقوطها عسكريا هو مسألة أيام. وبعيدا عن أساطير المقاومة واستعادةالجولان التي ما فتئ يرددها النظام وحزب الله، ثمة حقيقة في حمص تقول إن نازحي الجولان من العلويين توطنوا في حي الزاهرة، وليس واردا موضوع إدراجهم في المقاومة للعودة لقراهم المحتلة. وخطوط الإمداد من لبنان قطعت بعد السيطرة على يبرود والقصير، وانتشار الجيش في طرابلس.
في المقابل، خسر النظام خسارة استراتيجية لم يستطع تفسيرها ولا تعويضها حتى الآن. من دون سابق إنذار، يسيطر الثوار على كل المنافذ الحدودية مع تركيا، ويقتلون هلال الأسد ويدمرون موكبه، ويقطعون الصلة بين علويي سورية وعلويي تركية، في وسط منطقة تعتبر قلعة النظام ديموغرافيا ومنيعة جغرافيا.
"كسب" ليس منفذا حدوديا ولا نافذة على البحر، في "شيعة ستان" لم يعد واردا التواصل الطائفي. النظام الذي يتحدث عن انتصارات لم يفسر كيف بلع إسقاط الطائرة (وبحسب بيانه داخل أراضيه)، ولا كيف يحافظ الثوار على تقدمهم في معاقل النظام.
ما حصل في "كسب"، بحسب ما كشفت مصادر أميركية، هو أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ضاق بالنفوذ الإيراني داخل بلاده، والاختراق الكبير على قاعدة طائفية، إلى درجة رفع صور بشار الأسد في بلدات العلويين، خصوصا في ظل مخاوف تقسيم سورية طائفيا وامتداد ذلك إلى تركيا.
فقرر أن يدعم المعارضة بشكل "استراتيجي"، وراهن على الفصائل الإسلامية المعتدلة التي تمكنت من تحقيق نتائج مذهلة ميدانيا.
لم يعترض الأميركيون على الدعم التركي الاستراتيجي، بل أبلغوا الأتراك أنهم شركاء معهم، وصولا إلى تغيير الواقع الميداني بشكل يدفع النظام وحلفاءه للقبول بالحل السياسي؛ أي تشكيل هيئة حكم انتقالية، بموجب "جنيف1"، من دون بشار الأسد. والأشهر المقبلة ستكشف مدى جدية الشراكة الأميركية.
لا يتوقف التقدم على معاقل النظام في اللاذقية. في الجنوب، يضيق الخناق على قوات النظام في درعا، ويواصل الثوار تقدمهم في القنيطرة. وكذلك في حلب وإدلب وريف حماة. ولا شك في أن النظام يعيش أياما صعبة، لا يخفف من وطأتها إلا استسلام من تبقى من مقاتلين في حمص.
(الغد)