الحرية هي احدى معالم البشرية,فلقد خلقنا الله احرارا ومنحنا خلال حياتنا التفكير وحرية الاختيار
قال تعالى:ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين.....
لذا فهي حق من حقوق الحياة, ولا يعني أنها حق بأن تكون مطلقة وألا تكون مشروطة, تضعها في اطار معلوم يجعلها في تماس مع حقوق الاخرين ولا تتقاطع مع حقوقهم.
هكذا هي الحرية في شريعة الله ( لااكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي...)
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا.......
الألتزام في الحرية هو الأنضباط في ممارستها قولا وفعلا ,أفرادا وشعوبا,والأنضباط يبدو انه قيد على الحرية , لكنه على العكس من ذلك , فهو الخطوط المرسومة لملعب الحياة , لكي تكون الحريات دائما مقبولة ومسموعة وبلا تعد على الاخرين, سواء أكانوا أفرادا أو جماعات, وحقوق الفرد هي أيضا حقوق المجتمع, والحرية في اطار هذه الخطوط هي الضمان الأكيد لحق الفرد فيها دون انتقاص , كما ان هذه الخطوط تؤدي الى الجمع الايجابي لحريات كل المجتمع , فينمو ويتقدم كنتيجة لهذه الحريات , وفي غياب حدود الانضباط تختلط المصالح وتضيع الحقوق ويتوه المجتمع في صياح وجدال ,أفرادا وجماعات, وتعتقد كل جماعة أنها صاحبة الحق وضحية لمطالب الاخرين.
الحرية في ظل حدود الأنضباط هي أساس لتحقيق نتائج ذات فائدة على أرض الواقع وفي مناخ من الهدوء والاستقرار سواء كان ذلك على مستوى الفرد أو الاسرة أو المجتمع.كما ان الحرية المنفلتة تصبح أحد أهم أسباب النزاعات بين الافراد والمجتمعات بل والدول , وهي التي تفتح أبواب الفوضى على مصراعيها لتكون النتائج مرعبة .
استقرار الدول ليس في الحرية فقط بل بشكل أساسي في ضوابط الممارسة لهذه الحرية . والحرية عندما تختلط بأمور فكرية أو سياسية تظهر كلمة الديموقراطية وهي أيضا لها ضوابط وأحكام وتجعل تطبيقها اما استقرارا او رخاء واما فوضى ونزاعات اذا تم استعمالها كشعارات دون ضوابط.
الكفر بالحرية والديموقراطية ليس لعيوب بها بقدر ما هو غياب الانضباط عنها واستغلالها وارتكاب أخطاء بأسمها .
طالما ان هناك ضوابط للحرية التي يغرق الفرد والمجتمع في غيابها , ولكي لا يكون هذا المجتمع كدولة على أرض ولكن بلا حدود , فتستبيح الدول الكبرى التدخل بشؤون الدول الاخرى بأي مبرر وفي أي وقت تحت شعارات مطاطة وهلامية اسمها الحرية والديموقراطية وحقوق الأنسان .
يقول الحكيم الصيني لاوتسو : ان الذات الانسانية المنفتحة تنطوي على الأنا والاخر معا , وانها الطريق الوحيد لبناء حياة كونية حقة ,غير ان الثقافات الأنسانية غالبا ما تدرك هذه الحقيقة في شكل انتقائي يتوقف مدى اتساقه وتفتحه او على العكس مدى تناقضه وانغلاقه بحسب موقع كل ثقافة-أمة في التاريخ ودورها فيه في كل مرحلة من مراحله , وكل حقبة في تطوره , فاذا ما توفر لديها موقع مركزي فيه وامتلكت موارد التأثير عليه , كانت رؤيتها لغيرها من الامم والثقافات أكثر تفتحا وتسامحا ,واذا ما افتقدت لذلك الموقع وتلك القدرات وتهمش دورها في تشكيل الواقع المحيط بها, كانت رؤيتها للاخر سلبية وانطوائية.
فالامم كالاشخاص تمر عبر تاريخها بدورات الحياة كاملة من الطفولة والشباب الى الكهولة والشيخوخة , غير ان طفولتها ميلاد سياسي وشبابها نماء حضاري وكهولتها نضوج قومي ,فيما شيخوختها تدهور في القوة والمدنية معا, لا ينتهي بالموت كاحا د الناس , بل بانبعاث جديد ,فبينما الافراد يفنون دون انبعاث جديد في هذه الدنيا,تبقى الامم قادرة على الانبعاث مرة ومرات في دورات حضارية وحلقات تاريخية.
فلا بد من وجود حرية تفتح الطريق امام انبعاث الامم وصحوتها لأزدهارها وتقدمها وتطورها .
هذه الحرية هي التي تمكن الفرد من اتخاذ قرار أو تحديد خيار من عدة امكانيات موجودة دون اجبار او ضغط خارجي ومن امثلتها حرية التجمع وحرية التنقل وحرية الاعتقاد وحرية التعبير وغيرها.
مثالا اخر على الحرية وتعليمها كتب نهرو في عام 1928 رسائل الى ابنته انديرا التي كانت ذات العشرة أعوام وتقطن في جبال الهيمالايا بينما نهرو في أسفل الجبل والرسائل وسيلة لاختصار المسافة , وهذه الطفلة هي أنديرا غاندي التي قادت شعب الهند وأصبحت رئيسة للوزراء ودفعت حياتها عام 1984 ثمنا لدفاعها عن مبادئ السلام والعدل والحرية ,التي تربت عليها والتي تظهر بجلاء في رسائل الاب.
ففي تلك النصوص القصيرة يؤكد نهرو أن القوة لا يجب ان تخدم صاحبها وتشبع انانيته ومصالحه الخاصة, لأن القوة ليست حقا , بل هي امتياز يجب استخدامه من اجل حماية وخدمة الناس , كما يلفت انتباهها ان الحضارة لاتكمن في الاشياء الموضوعيه ولكنها مسألة موقف روحي من الحياة ,فالمباني الجميلة والكتب وكل ما هو جميل يقف شاهدا على وجود حضارة ما ولكن الشاهد الاهم هو الانسان الذي تجرد من الأنانية وعمل بهمة مع باقي الناس من أجل صالح الجماعة وحريتهم .
يفسر نهرو لابنته أنديرا الفجوة التي تفصل الاغنياء عن الفقراء , وكيف بدأ الامر يتعقد مع ظهور القائد أو زعيم القبيلة , ففي البداية كانت كل الاشياء ملكية عامة وحتى القائد لم يكن يمتلك شيئا خاصا , فكونه فردا من افراد القبيله كان له ما لباقي الافراد.
كانت مهمته تنظيم الامور وحماية ممتلكات الناس , ولكن مع تزايد قوته اعتقد ان هذه الممتلكات تخصه لوحده , وتصور ان قيادته لقبيلته تعني انه يمثلها.
كانت تلك اللحظة التي بدأت فيها الهوة بين الغني والفقير ,ولم يلبث القائد أن تحول الى أمبراطور عندما يصبح المنصب بالوراثة , وتصور الامبراطور أنه يمتلك كل شئ بل انه هو البلد, ونسيت القادة أن الناس قد اختارتهم كي ينظموا امور الحياة ,ويرسوا أسس العدل واعطاء الحرية للجميع .
نسوا ان سبب أختيارهم أنهم الأذكى والاكثر خبرة وتوهموا انهم السادة وكل من دونهم في القوة عبيد, ولكنهم في حقيقة الامر هم الخدام.
ازداد الأمر سوءا عندما اعتقدوا ان لا علاقة للناس بوجودهم في مناصبهم , بل ان الله نفسه هو الذي اختارهم وهو ما سموه بالحق الالهي في الحكم.
لسنوات طويلة أساءوا التصرف وعاشوا برغد بينما شعوبهم تتضور جوعا.
وفي نهاية الامر ان اصابك مكروه فأضئ شمعة ولا تلعن الظلام وقل قدر الله ولطف وتفاقيد ربنا رحمة.......
ونجد أمير الشعراء أحمد شوقي يقول:
وللاوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق