السلام واستراتيجية التأجيل
د.رحيل الغرايبة
08-04-2014 02:30 AM
من المعروف أن زعماء «إسرائيل» وأمريكا منذ سنوات طويلة، يتبنّون استراتيجية الحديث عن السلام وليس استراتيجية السلام في التعامل مع القضية الفلسطينية، فضلاً عن مفهوم السلام المختلف لديهم، عن مفهومه الحقيقي الذي يعرفه الناس في كل أنحاء الدنيا، لذلك أعلن وزير الخارجية الأمريكي تأجيل مواصلة مشاوره في هذا السياق، مع تحميله مسؤولية الإعاقة والإفشال للطرفين معاً.
«اسرائيل» ليست في عجلة من أمرها وليست مضطرة لتقديم أي تنازلات مهما كانت قليلة ومتدنية، لسبب واضح ومعلوم وأعتقد أنه ليس محلاً للخلاف بين العقلاء، ويعود ذلك إلى أنها لا تشعر بالتهديد، ولا تحس بالخطر لا من الجانب الفلسطيني على وجه الخصوص، ولا من الجانب العربي كله على وجه العموم، لذلك فهي تمارس التوسع الاستيطاني سريع الوتيرة، وتواصل مخطط التهويد دون أي عائق، والأمور تسير على أحسن ما يرام بالنسبة اليها.
مشكلة العرب أنهم ما زالوا يمارسون عملية إثبات أنهم مسالمون، ويعشقون السلام، ويموتون حباً في السلام العادل والمشرِّف، وما زالوا مستمرين في البحث عن دلائل جديدة ويواصلون عمليات التطوير والإبداع بإقناع العدو بهذه الخاصية الجميلة وأنهم استطاعوا التخلص من كل أصوات الشغب والتطرف، وأنهم أعضاء صالحون في معسكر مكافحة الإرهاب.
المشكلة الأكبر التي لم يدركها الزعماء العرب بعد، أن هذا الإصرار غير العادي على إثبات سلميتهم، وإقدامهم على تقليص الجيوش وتحويلها إلى أجهزة قمع داخلية، وأجهزة شرطة أمنية، وتخلصهم من أسلحتهم الإستراتيجية هو السبب الرئيس والأكثر أثراً في تلكؤ إسرائيل وتباطؤها في الانسحاب من الأرض المحتلة، وعدم الامتثال للقرارات الدولية، ومواصلتها لسياسة العربدة والغطرسة والإذلال، والتمرد على المجتمع الدولي مع سبق الإصرار والترصد.
كل الخطوات السلمية السابقة كانت عقب مراحل تتسم ببعض مظاهر القوة العربية، فمعاهدة (كامب ديفيد) مع مصر -على سبيل المثال- كانت بعد حرب أكتوبر حيث استطاع الجيش المصري تحقيق مفاجآت على أرض المعركة وميدان المواجهة، حيث استطاع تحطيم جدار (بارليف) المحصن، وأثبت الجيش المصري أنه يملك قوة قابلة للتطور العسكري وأنه خلال خمس سنوات استطاع التخلص من آثار هزيمة حزيران، واستعاد عافيته وقوته التي أثارت الرعب لدى القادة الصهاينة، ما جعلهم يضحون ببعض المكتسبات من أجل فرض شروط قاسية على الجيش المصري ومراقبة أسلحته، ومقابل إخراج مصر من معادلة القوة العربية.
أما معاهدة «أوسلو» فقد جاءت بعد الانتفاضة الفلسطينية المشهورة التي اندلعت في كل المدن والقرى الفلسطينية.
فاضطرت (اسرائيل) إلى البحث عن مخرج من أزمة الانتفاضة المتفجرة في حضنها عبر هذا الشكل المفروض الذي أسفر عما يسمونه (إعادة الانتشار للجيش الإسرائيلي) بحسب المصطلح الدقيق الذي يستخدمه الصهاينة.
الخطوات السابقة لم تقترب من مصطلح السلام العادل المشرِّف، لكن -على هزالها - كانت استجابة لبعض مظاهر القوة في الجانب العربي ومن خلال قراءة التاريخ، وقراءة المشهد المعاصر، يستطيع المراقب أن يتنبأ بفشل كيري المؤكد، وأنه لن يحقق أي خطوة نحو ما يسمى بـ(السلام الشرق أوسطي) اعتماداً على الوضع الفلسطيني البائس، والوضع العربي الأشد بؤساً وقتامة.
هذا الكلام لا يهدف إلا لتوضيح بعض جوانب الحقيقة أمام الأجيال الجديدة، من أجل استشعار المسؤولية في البحث عن امتلاك أوراق القوة، لأن العالم لا يحترم إلا الأقوياء، ولا تستمر الحياة إلا بحراسة القوة، والمقصود بالقوة هنا المعنى الشامل للمصطلح، الذي يشمل: قوة الفكر، وقوة العلم، وقوة الإعداد والعمل، وقوة التخطيط وحسن التعامل مع الواقع، واستلهام التجارب الناجحة، ووضع حد للتجارب الفاشلة والتخلي عن الاستمرار بإعادة إنتاج مراحل الشعارات الغوغائية واتقان لغة الهجاء والمدح، التي أورثت الجيل هذا الضعف، وهذه الفرقة، وهذا الخواء وهذا الانحطاط المزري.
(الدستور)